30‏/05‏/2009

الفصل الأول





في منزلى القديم ، ومع نسمات الفجر الأولى

خطوت على درجات البناية العتيقة

متحسسا ذلك الغبار على الباب وأدس المفتاح لأديره في بطء واقف لبرهة من الزمن اراقب فيها المكان ، ثم اتجهت إلي غرفتى المهجورة

بعد كل هذه الاعوام ...

والمدهش ان ذاكرتى مزدحمة بالذكريات بكل ركن وزواية من هذا البيت ... في كل ضحكة وبسمة داخل كل حجرة ...

وها أنا ذا .... جئت اليوم اطلب السكينة

بعد مشاحنة كبيرة بيني انا وزوجتى منال

اردت ان اعود الى ذاتى .... بعد طول فراق

توقفت في الردهة عدة دقائق ... اتأمل صورة ابي الراحل

واتذكر اخر كلماته التى ما زالت تدوى في اذنى

كان دائما ما يجدنى ولدا فاشلا

لم تشأ له الاقدار ان يرى ما مدى النجاح الذى قد وصلت اليه بعد ان وافته المنية

اعطيت ظهرى للوحة وجلست على الكرسي الخشبي المزين بالاصداف والاحجار اسفل الصورة
واطرقت برأسي مفكرا في احوالى ....

كم اصبحت تعيسا

حققت من النجاحات مالم يحققه احد

ولكنى كنت في منزلى من اتعس المخلوقات

لم يكن هناك توافقا بيني وبين زوجتى او اطفالى

لم اخرج من ثوب الرجل الشرقي

والجيمع يحترمنى ويهابنى

لكنى لست سعيدا ... فقد كنت احتل تلك الصورة

صورة أبي ...

حتى زوجتى كانت تعاشرنى على الفراش لترضيني فقط

كانت تخرج الاصوات التى احبها

دون ان اعرف مالذى يدور في خلدها

اطلقت زفرة حارة ...

ونهضت لأتوجه الى غرفتى مرة اخرى

ودون تفكير ... استلقيت على ارضية الحجرة

انظر الى اغراضى المبعثرة اسفل الفراش

ووقع بصرى على الصندوق

ابتسمت في فرحة وانا امد يدي لأخرجه في لهفة غير معروفة

وجلست اتأمل الصور ...

على مختلف المراحل الزمنية ...

واتذكر بعض المواقف واضحك ...

وادركت انى سأمكث كثيرا

فاخرجت محفظتى و هاتفى المحمول والقيتهم في اهمال على السرير وخلعت حذائى ، واسندت ظهرى على باب الحجرة وانا نصف مستلقى على الارض

واضع الصندوق على ركبتى واخرج محتوياته شيئا فشيئا

واستغرقنى الوقت كثيرا

لم اشعر بشئ

وبعد ان فرغت من الصور

ووقع بصرى على تلك العلبة الصغيرة ... المخملية

ابتسمت في حنان وانا اتذكر تلك الهدية

والتقطتها في عناية وانا انفث ذرات التراب من عليها واتحسسها في حنان

وافتحها لألقى النظرة على الخاتم الذهبي

الذى يرقد ساكنا متألقا ، كما تركته ... دون ان تظهر عليه علامات القدم

فقد كانت تلك هديتي الاولى والاخيرة

التى لم اقو على ارسالها الى صاحبتها

اسراء

صديقة عمرى ... وحبيبتى ... وصديقة المراهقة ...

وابتسمت عندما توقف تفكيري عند النقطة الاخيرة

وانا اتذكر المرة الاولى التى قابلتها بها... عند باب حجرتى وهي تقدم لي العصير

مازلت اتذكر ابتسامتها واحمرار وجنتيها ، وارتباكها وهي تركض متعثرة في كل شئ صادفها

واعترتنى رغبة عارمة في رؤيتها ... دون مقدمات

اسرعت اعيد كل شئ في مكانه الى الصندوق في عناية واغلقته في احكام ... ونهضت محاولا ازاحة الغبار الذى لصق على ملابسي

وفتحت باب المنزل لأطرق باب الشقة المقابلة ثلاث طرقات سريعة كما هي عادتى دائما ...

ووجدت فتاة صغيرة ... جميلة ... شقراء الشعر ... تحمل قطعة من الشوكولاتة وهي تقول لي في براءة

- من انت ؟

تطلعت اليها وتفحصت ملامحها في دقة وانا اجيبها ببطء

- انا استاذ مدحت يا صغيرتى ... هل يوجد احد هنا ؟

تركت الباب لتهرع الى الداخل تنادى والدتها ، والافكار تعصف برأسي في سرعة

فقد كان من المستحيل ان تكون هذه والدتها ، وظللت على وقفتى ، انتظر القادم المجهول ، وانعقد حاجباى في شدة حتى كادا ان يمتزجا سويا

وسمعت صوت اقدام انثوية خافتة ، وارتفعت دقات قلبي

حتى انفرج الباب وظهر من خلفه وجه ملائكى جميل ، شعرت للبرهة الأولى اننى اعرفه ... وحدقت هي الأخرى في ملامحى عدة ثوانى ، حتى تهللت اساريرها فجأة وهي تهتف في سعادة

- استاذ مدحت

وخطت خطوتان خارج الشقة وهي تصافحنى في حرارة وانا لا اعى ماذا اقول وانا اجهلها ... فشدت الفتاة على ساعدي وهي تشدنى قائلة في مرح وفرحة

- تفضل يا استاذ مدحت ، ألا تذكرنى ؟... انا هند

شهقت في دهشة وانا اتأملها وارتفع حاجباى المعقودان لأهتف بدورى

- هند ، معقولة ... لقد اصبحتى امرأة ناضجة

ضحكت هند في صوت صافي وهي تضع يدها على فمها وتجيبنى

- وهل يبقى كل شئ على حاله ، المهم كيف حالك واين كنت طوال هذه السنوات ، أتدرى ... لولا ان اختى اسراء تحتفظ بالبوم الصور الخاص بها ... لما تعرفتك

ابتسمت في رصانة بعد هذا الانفعال وانا احاول ان اتمالك نفسي بعد ان ذكرت هند اسم اسراء وانا اجيبها بالمقولة الشهيرة في هدوء

- الدنيا تلاهى ياهند

اومأت هند برأسها مقتنعة وهي تدعونى للجلوس في غرفة ( المسافرين ) وهي تنادى على طفلها بصوت عالى

- تعالى يا شوق لتلق التحية على استاذ مدحت

جاءت الصغيرة وهي تجر عروسها خلفها على الارض وترفع كفها عاليا وهي تطلع ضحكاتها الطفولية الجميلة ، فاخذتها بين احضانى لأرفعها عاليا واداعبها ... ثم التفت الي هند وانا اسألها

- هذه ابنتك بالتأكيد ... بارك الله فيها

ارتفع حاجبا هند في دهشة ، ثم انفجرت ضاحكة وهي تجيب
- اتمنى هذا ... ولكنها ابنة اختى اسراء

انتهى الجزء الاولى ....

هناك تعليق واحد:

  1. قمه في العمق النفسي للذكرى والماضي

    غريب أن يهرب الإنسان عند أزمته ليرجع للوراء

    طابع الذكريات يجذبنا دوما لنستعيده

    أنا بصدد إكمال القصه

    تحياتي

    ردحذف