19‏/07‏/2009

الفصل الحـادي عشــر




هناك ... على بعد عدة أميال من القاهرة الجديدة
وعلى الطريق المؤدي الى مدينة الاسكندرية السريع
توقفت احدى السيارات الفارهة امام بوابة لفيلا ضخمة ... واطلقت نفيرا لمرتين متتاليتين ، وانفتحت بوابة الفيلا في هدوء ...
وانزلقت السيارة الفارهة الى داخل الفيلا في سلاسة ونعومة وظهر احد الخدم وهو يركض الي السيارة في سرعة وهو يفتح بابها الخلفى وينحنى انحناءة مبالغة وهو يقول

- ان السيد ينتظرك يا سيدتى

غادرت السيدة السيارة في سرعة وهي تحث الخطى حتى وقفت في الردهة وهي تحاول في صعوبة ان تبتلع ريقها وهي تنظر الى باب المكتب المفتوح امامها والضوء الخافت والموسيقي تنساب من الحجرة ، ثم استجمعت شجاعتها ودخلت الى الغرفة لتقف امامه ...

أمام الشيطــان ... شخصيــا

*******************

التقطت هند هاتفها المحمول وهي تحاول الاتصال عبثا بأختها الكبرى بعد ان غادرت المنزل ، وجاءتها الرسالة المسجلة التى تفيد ان الهاتف خارج نطاق الخدمة في رتابة وملل ، واطلقت زفرة حارة وهي تقذف بالهاتف على الفراش ، والقت جسدها على الأريكة الكبيرة التى تواجه الفراش وهي تنظر إلي هاتفها المحمول

حتى ارتفع صوت صياح الطفلة ، فانتفضت في عنف وغادرت الغرفة مهرولة الى غرفة الطلفة المجاورة لها مباشرة وهي تربت على كتفها قائلة

- لا تقلقى يا صغيرتى ، انه حلم مزعج

واستمرت في تهدئتها حتى أسبلت عينها في نعومة وبراءة من جديد وارقدتها في هدوء وحرص على الفراش .... ونهضت لتمسك الغطاء ... وتسمرت في مكانها وهي في ذلك الظرف الأصفر الذى ظهر طرفه من أسفل الوسادة ...

ثم مدت يدها المرتجفة لتلتقطه في سرعة وهي تحاول ان تغادر الغرفة في هدوء ، وبقفزة واحدة ... اصبحت في ردهة المنزل وهي توقد الانوار وتفض المظروف في عنف ... وتقرأ سطوره القليلة ... لتطلق شهقة جزع ... ووداع . ممهورة بأسم أختها الكبرى

إســـراء ســـالم

***********************

انقضت ساعات الحب الطويلة بين إسراء ومدحت في حب عنيف ... على كل لقائهم الأخير ... وغط مدحت في نوم عميق ... في احضان اسراء التى شرعت تداعب خصلات شعره وهي تنظر نحو المرآة ...

واستولى عليها التفكير كثيرا بعد ان انتهى دورها واستلمت ما تريده لتؤمن حياتها وحياة طفلتها ... ومستقبل اختها الصغرى ...

وكان الثمن هو تسليم عشيق وحبها الوحيد الى يد الشيطــان نفسه .

ولكنها لم يكن لديها الخيار ... فهى تعلم ما قد ستؤول اليه الامور ان رفضت ... أو حتى لمحت بالاعتراض

فقد كانت ابنتها هيا الثمن ...

واليوم بعد انتهت الخطة .... ولم يتبقى سوى الخطوة الأخيرة ... جاء حبيب العمر ليطلب منها الزواج ...

وأصبحت امام المفترق الصعب ... وكان عليها الاختيار

فقد اصبحت الدقائق ثمينة ... للغاية
**********************

- هل حصلتى على الخاتم

نطق ذلك الشخص الذى يجلس خلف المكتب والظلال تخفى الكثير من ملامحه وهو يتحدث في صرامة وخشونة الى تلك السيدة

فأومأت السيدة برأسها في ايجاب ... فأشار لها بالجلوس على الكرسي المواجه إليه بجوار الباب


جلست والقلق يرتسم على ملامحها في وضوح وهي تقول

- هل يمكننى أن أرى أخي الآن

أجابها الرجل في اقتضــاب

- كلا ، انه نائم ...

صمتت السيد وهي تنظر إلى أرض الحجرة في انكساء ، مما جعل الرجل يضحك في استهتار واضح وهي يقول في تهكم

- يبدو أنك قلقة عليه

رفعت السيدة رأسها في ذل ...

فأكمل الرجل وهو ينهض من على مكتبه وهو يتحرك نحوها وتظهر ملامحه في وضوح وهو ينحنى لينظر اليها مباشرة

- لقد انتهى الامر ... وستقيمين الحفلة في الغد ... ليحضرها الجميع ... وستنالين كل ما ترغبين يامنــال

واطلق ضحكته التى بدت انها تتردد في الجدران في قوة ... وأخلتج قلب منال معها ... وبعنف


تململ مدحت في الصباح وهو ينظر الى ساعة الحائط في كسل وهو يبتسم لرؤية اسراء وهي تصفف شعرها امام المرآة التى ابتسمت له عندما رأته وهو ينظر اليها ... ونهضت لتجلس على طرف الفراش وهي تقول في دلال

- ألم يحن الوقت لكى تنهض ....

ابتسم وهو يجيبها

- أن اليوم العيد القومى لتحرير سيناء ... بمعنى آخر ... أننا سنقضى اليوم سويا

هزت اسراء رأسها نافية وهي تقول

- كلا ، يجب عليك ان تذهب لكي تجهز نفسك لعيد ميلاد ابنتك ، وشراء هديتها اليوم .

ظهر الازعاج على وجه مدحت وقد تذكر ان اليوم هو موعد عيلاد ميلاد ابنته في النادي ، وتضاربت الاحداث في رأسه

فابتسمت اسراء وهي تضع يدها على قلبه

- لا تقلق يا حبيبي ، سأكون معك ...

اجابها في حيرة

- ماذا تعنين

زادت ابتسامتها في غموض وهي تهتف

- هل نسيت ان زوجتك قد وجهت لي دعوة بهذه المناسبة

ودات ابتسامتها غموضا ... اكثر ... واكثر ...


*************************

وقفت منال زوجة مدحت تشرف على الاعدادت الخاصة لحفل عيد ميلاد ابنتها في ذلك النادي الذى يعد من أرقى الأندية في القاهرة ..

وقد اصابها القلق لما سيجرى في هذا اليوم ... وحرصت ان تظل القاعة خالية ... ولا يدخلها سوى الطاقم الخاص باعداد الحفلة ، وهى تنقل بصرها بين الفترة والأخري بين ساعتها وبين العاملين في القاعة حتى فرغت من كل الترتيبات وراجعت اسماء المدعوين مع المقاعد وفقرات الحفل المقترحة

وخرجت لالتقاط ابنتها التى تلهو وتعلب مع عدد من الاطفال في احدى القاعات المخصصة في النادي ، وذهبت معها لتغير ملابسها استعداداً للحفلة ...

في نفس الوقت الذى استقلت فيه اسراء سيارة مدحت وهي تطلق ضحكة عالية قائلة في سعادة حقيقية

- ان هذا الخاتم اروع بكثير من ذلك الخاتم القديم يا مدحت

ابتسم مدحت في رصانة غير معهودة وهو يرد باقتضاب

- ولكنك لا تعرفين قيمة الخاتم الاخر

تسرب القلق الى اعماق اسراء فاسرعت تسأله في دلال

- وهل ستعلن خطوبتي اليوم امام زوجتك

ضم مدحت شفتيه وهو يشعل محرك سيارته وهو يقول في اقتضاب

- هذا يعتمد .....

ثم صمت قليلا ...

فسألته اسراء في الحاح

- يعتمد على ماذا يا مدحت ؟؟؟

جذب مدحت ذراع السرعة وهو ينطلق بسيارته قائلا

- يعتمد على ما سيجرى في هذه الليلة

وانطلق مسرعا في طريقه الى النادي ... فقد كان عقله يشتعل بمئات الافكار ، وقد أيقن ان هذه الليلة ستكون مميزة ... للغاية

10‏/07‏/2009

الفصل العاشر




قفزت هند في فزع بعد سقوط الفنجال من يد اختها الكبرى اسراء وتلك الاخيرة تصيح فيها بجنون
- ماذا فعلتي أيتها التعسة

وضعت هند يدها على صدرها محاولة تهدئة قلبها وهي تبتلع ريقها في صعوبة قائلة

- ماذا هناك يا إسراء؟

دفنت إسراء وجهها بين كفيها وهي تقول في صوت متهدج

- لقد هدمت كل شئ يا هند، أنت لا تعرفين مدحت مثلما أعرفه أنا، لن يستسلم حتى يصل إلى حسن

سألتها هند في حيرة
- وماذا في هذا ؟

رفعت إسراء عينيها إلى أختها الصغيرة الحائرة، وارتفعت الدهشة مع حاجبى هند وهي ترى الدموع التى تسيل من عين اختها وهي تقول

- إن حسن الصواف هنا في القاهرة يا هند، وقد كنت معه البارحة ... وقد أخبرنى بموافقته على تكفله بمصاريف دراستك التى ترغبين بها في الخارج بعد الانتهاء من التخرج، وكان الثمن هو تقديم رأس مدحت اليه

وانطلقت شهقة هند مع رنين جرس الباب الذى يدقه مدحت في جنون، ليعلن بداية المنحنى الأخير من رحلتنا ...

------------------

انزعج مدحت كثيرا وهو يدق الجرس عدة مرات دون مجيب، دون أن يعلم ما الذي يجرى خلف الباب ... فقد كان عقله يضج بمئات الأسئلة، ويريد إجابتها بأية طريقة ولم يجد سوى إسراء

أما في الداخل فقد أشارت إسراء إلى أختها بأن تدخل إلى غرفتها، وتحركت أختها كالمصدومة غير مصدقة لما سمعته الآن.

ونزعت إسراء سترتها وهي تلتقط منديلا من على الطاولة لتمسح به دموعها وتعدل من وضع زينتها في سرعة وحرفية وفتحت أزرار القميص في سرعة وهي تلقى نظرة على المرآة التى بجانب الباب وهي تحمل مزيجا بين البغض والامتعاض واللهفة.

وتوقف دق الجرس بعد أن يأس مدحت من الإجابة واستدار متجها إلى باب شقته ولكنه سمع صوت الباب وهو يفتح، فاستدار في حدة وهو يرى وجه إسراء يطل من خلف الباب وهي تبتسم في خمول وكسل قائلة

- مدحت

ارتبك مدحت قليلا ثم سألها

- هل كنتِ نائمة ؟

أجابته في ابتسامة حنون بعد أن تأكدت أنها قد كسرت حدة اللقاء

- بل كنت أستعد للنوم

صمت لثانية وهي تغمزه بعينيها

هل تنوى المبيت هنا .... وحدك؟

صمت مدحت دون إجابة وهو في قمة الحيرة وقبل أن يفتح شفتيه ليجيبها، استطردت إسراء في سرعة

- سأغير ملابسى وسآتي إليك في عشر دقائق

وأغلق الباب واستندت إليه وهي تطلق دمعتها الحبيسة في صمت، ثم تحركت إلى مقعدها لتجمع أشلاء فنجانها المكسور ..

--------------------------------

قطعت منال الردهة ذهابا وإيابا وهي تفرك يدها في عنف، لقد نفذت الخطة بكامل حذافيرها ... واستمعت إلى حسن في كل شئ نصحها به ...
ولكنها لم تعد تقدر على التمثيل أكثر من هذا
إنها بحق تكره مدحت من أعماق قلبها ...
وهذا ما دفعها للجوء إلى حسن .. واستشارته
الذى كان له نصيب الأسد فيما يجرى
وأصبح هدف تحطيم مدحت أكثر مما ترغب فيه شخصيا
لكن بعد هذا اليوم
فقد قطعت الطريق ... وتعجلت النهاية ...
وقررت أن تصبح في حفل الزواج ...
الأخير

---------------------------------

توقفت إسراء أمام باب مدحت طويلا ... ثم حسمت أمرها وطرقت الباب ثلاث طرقات متتالية

ولكنها لم تجد استجابة ... فأطلقت زفرة طويلة وضغطت على جرس الباب

وسمعت وقع أقدام مدحت، ثم ظهر من خلف الباب وهو يرمقها بنظرة طويلة وترك الباب مفتوحا ودخل إلى غرفته مباشرة

فدخلت إسراء بسرعة وأغلقت الباب خلفها وهي تراقب ما جرى للمنزل، فقد كان من الواضح أن مدحت يبحث عن شيئ ما

وتصاعدت مخاوفها عندما سمعت صوت الصندوق وهو ينسحب من أسفل سرير مدحت

فتحركت بسرعة وهي تراقب مدحت وهو يفرغ أغراضه بعصبية

فسألته في توتر

- عن ماذا تبحث يا مدحت؟

هز مدحت رأسه دون إجابة .. فمالت إسراء عليه وهي تضع يدها حول عنقه وتلتصق به من الخلف وهي تهمس في أذنه

- هل تريد مساعدة؟
توقف مدحت وارتعش جسده ... وشعرت إسراء بتلك الرعشة ... فابتسمت في نصر وهي تتابع

- أم تفضل أن نقوم بشيئ آخر

نهض مدحت من جلسته التى تشبه القرفصاء وهو يستدير لمواجهة إسراء مباشرة

وهو يتأمل وجهها الجميل ويستنشق عطرها المميز ليملأ به صدره ... ثم ابتسم لينطق بجملة واحدة

- هل تقبليني زوجا لك يا إسراء؟

03‏/07‏/2009

الفصل التـــاسع




ساد صمت طويل ... حتى غطت الطفلة في نوم عميق بعد ذلك الإجهاد العصبي الذي عانته منذ قدومى في أحضان هند أخت إسراء الصغرى ... وحملت هند الطفلة لتضعها في فراشها.

أما أنا فقد كنت في دوامة طويلة وأنا أتذكر تاريخا قديما ... لشخص يدعى حسن الصواف ... ابن رجل الأعمال المشهور محمد الصواف، الذي تم اتهامه في أحداث قديمة .. فقد كان صاحب أشهر شركات توظيف الأموال، وكان يخفى أعمالا كثيرة غير مشروعة في الدولة ولكن علاقاته القوية كانت تخفى الأمور دائما، وكانت نشأتهم عادية مثلنا جميعا، لكن حسن كان دائما يكرهني، لتفوقي الدائم في الدراسة عليه، وكنت ألاحظ دائما نظرات الحنق والحسد منه عندما يشاهدنى وأنا أمشي في الشارع برفقة إسراء، وكان دائم التحرش بها، ولكن بعد ذلك الثراء المفاجئ الذى أصاب والده، انتقلوا لإحدى الفلل بأرقى أحياء القاهرة، وكنا نسمع الأخبار من حين لآخر عن ابنه حسن الذي ألحقه والده بالجامعة الأمريكية، ثم جاء خبر فضيحة والده ... وهروبه إلى الخارج ... وانقطعت الاخبار عن محمد وولده منذ ذلك الحين ... وتقدمت بعدها إلى خطبة إسراء ... ورفضنى والدها ...

تاريخ غريب، ولكني لم أقدر على نسيانه أبدا ... وبدأت استنتج الخطوات بعد زواجى من زوجتى منال ... وتخيلت حسن وقد تقدم لخطبة إسراء، بالأموال المهربة إلى الخارج، وبالطبع لم يكن أمام والد إسراء سوى الموافقة وإتمام الزواج في سرعة ... والغريب أنني لم أفكر طوال ذلك الوقت، في مجرد الزيارة لمنزلي القديم، أو محاولة الاتصال بإسراء التى فقدت الأمل في الاتصال بي مرة أخرى بعد أن غادرت المكان دون رجعة ...

أفقت من افكاري علي صوت أقدام هند وهي تسير نحو الطاولة لتضع أمامي قدح القهوة في صمت ثم تتحرك في خطوات مضطربة لتتخذ مقعدا يبعد عنى قليلا

وبدأ الفضول يأكلنى لمعرفة صحة ما وصلت إليه فاعتدلت في مقعدى وأنا أسأل هند في هدوء حقيقي
- اعتذر يا هند عن تصرفي، ولكني في حاجة لمعرفة ماهو مصير حسن الصواف الآن

نظرت إلي هند في ارتياب ثم اجابتنى في اقتضاب:

- لقد غادر البلاد منذ أكثر من أربع سنوات ... وانفصل عن اختى وهو خارج البلاد، بعد أن حجرت الحكومة المصرية على باقى أملاك والده. ولا يعلم أحد عنه شيئا حتى الآن

التقطت قدح القهوة وأنا أرتشف منه رشفة صغيرة لأسألها قائلا
- وماذا عن اختك، هل كانت سعيدة في حياتها معه؟

هزت هند رأسها في قوة وهي تقول
- مطلقا، فقد كان يعاملها كالجارية، وكان يخفى في أعماقه انطباعات غريبة ولكنه كان شديد الدهاء والمكر في تصرفاته حتى ....
قطعت حديثها وهي تنظر إلى الأرض في مرارة وتعض شفتها السفلى

وكنت أتحرق شوقا لمعرفة الأحداث ولكني انتظرت في صبر

وأكملت هند مستطردة
- حتى قام بالتحرش بي جنسيا

اندفعت دموع هند في حرارة عند تلك النقطة ولم أقدر على فعل شيء، فقد شعرت بالذنب وكأنى أنا السبب في كل ما جرى لإسراء وأختها ... لم أكن أدري ماذا أفعل ....

سوى أن أنهض من على المقعد وأغادر المكان وأغلق الباب خلفي في هدوء، وأستقل سيارتي وانطلق على غير هدى في شوارع العاصمة حتى توقفت أمام كورنيش النيل ....

وغادرت سيارتى ووقفت اتأمله في صمت ...

فقد أصبحت الأمور معقدة للغاية، بعد كل ما سببته من ألم لإسراء وأختها ... وافتراقنا طوال هذه السنين، حتى أنجبت طفلتها من حسن الصواف، وتذكرت تلك الدمعة ... التى ذرفتها إسراء عندما كانت في أحضاني ... تذكرتها جيدا وشعرت بما كانت تعانيه من ألم

شعرت بقسوة القدر ... وقرار أبي ... ضابط الامن الذى لم يحافظ على حياتى واستقرارى ... وإجباره لي على زواجي من منال ... ابنة المحافظ في ذلك الوقت ... لأغراضه الشخصية، واقتناعه بأن هذا هو القرار الصائب ...

وها نحن الآن ندفع ثمن أخطائهم .

أطلقت زفرة حارة بما يعتمل في نفسي عندما وصل تفكيري عند تلك النقطة ... وتلفت حولي. ووجدت فتى وفتاة يمشيان الهوينى بجانب الكورنيش ويتهامسان وهما يمسكان بأكف بعضهما البعض، فابتسمت في حنان، وغادرت المكان في هدوء .. تاركا لهما المكان

لأستقل سيارتي، وأنطلق عائدا إلى المنزل ... لأبدء في رسم حياة جديدة ... لا أعلم إلى أين ستقودني ...


دقت الساعة الثامنة مساء وأنا ألتقط سلسلة مفاتيحي وأنا أفتح باب المنزل بعدما أرهقني التجول في أنحاء المدينة ...

ودخلت إلى البيت في خطوات هادئة ... واهنة ... وأفرغت متعلقاتى على الطاولة كعادتى دائما ... وكان المنزل هادئا جدا.

حتى تحركت في سرعة إلى حجرة ابنتي لأجدها تغط في نوم عميق، فتنفست الصعداء وصعدت درجات السلم في سرعة إلى حجرة نومي. ودنا إلى أذني صوت خرير الماء معلنا أخذ زوجتي منال لحمامها اليومي، وفي برود روتيني ... توجهت إلي ركن الحجرة لألتقط منامتي وأنا أفكر في كل المجريات التى ألقتها لي الحياة في هذا اليوم، وقاطعني رنين هاتف زوجتى الخليوى.

فألقيت نظرة خاوية على الهاتف وأنا أصيح في زوجتى

- إنها مكالمة لك يا منال

ويبدو أن منال كانت مستغرقة تماما لدرجة أنها لم تنتبه إلي، فمطيت شفتي في لا مبالاة وفتحت باب الحجرة

وتسمرت في مكانى

شئ ما قفز إلى عقلي بعد كل ما جرى، وربطت الأحداث الجديدة مع ظهور حسن الصواف في حياتى مجددا، وبقفزة واسعة ... التقطت الهاتف، وتصاعدت الدهشة والشك في أعماقي إلى ذروتها

فقد كان الهاتف لا يحمل رقم المتصل

وبكل ما يجول في عقلى من انفعال ، ضغط على زر الاجابة ....

وبكل قسوة


ألقت إسراء جسدها على الأريكة المفضلة لديها في المنزل وهي تلتقط أنفاسها في صعوبة، وتشير إلى أختها قائلة وهي تخلع حذاءها

- من فضلك يا هند، إنني أتوق إلى فنجال من القهوة .... وبشدة

نظرت هند إلى أختها الكبرى في اشفاق وهي تومئ برأسها وتتجه إلى المطبخ في هدوء.

والتقطت الريموت الخاص بجهاز التلفاز وأخذت تقلب في القنوات الفضائية في ملل حتى ظهرت أختها وهي تحمل صينية القهوة وتضعها أمامها وتجلس إلى جوارها.

شكرتها إسراء بتمتمة غير مفهومة وهي ترتشف القدح في استمتاع مرهق، حتى لاحظت إسراء أن أختها الصغرى لم تزح نظرها عنها وهي تحدق بها، فضحكت في توتر وهي تقول

- مالذى أصابك يا هند، هل تريني لأول مرة؟!

ابتسمت وهي تخفض نظرها إلى الطاولة التى تتوسطهما وهي تتمم في خفوت

- لقد جاء أستاذ مدحت إلى هنا

ابتسمت إسراء وهي تتوقع حدوث هذا، فهزت كتفيها في لامبالاة وهي تكمل ارتشاف قهوتها في هدوء

لم تلبث هند أن حسمت أمرها ورفعت رأسها وهي تنظر مباشرة إلى إسراء قائلة

- لقد أخبرته بشأن زواجك من حسن الصواف

وسقط قدح القهوة لينكسر فوق أرضية الغرفة ...

وبمنتهى العنف ...


- من المتصل ؟؟؟

هتفت بتلك العبارة وقد شارف حاجباى على الامتزاج من شدة انعقادهما معا ..

ولم أتلق جوابا من الطرف الآخر، لكنى سمعت شبح ضحكة ما .. أو هكذا خيل لي ...

- ماذا تفعل يا مدحت؟

علا صوت زوجتى بتلك العبارة ليرتعش جسدى ويسقط الهاتف من يدي ليسقط هو الآخر على الأرضية ويظهر ذلك الشرخ على شاشته العريضة وانا التفت إليها صارخا

- من الذى كان يحادثك

تطلعت إلي منال لعدة ثوان بانفعال لم أستطع تحديده ثم أجابت في حدة وهي تشير إلى الهاتف

- أنت الذي يجب أن تجيب هذا السؤال، فقد سمحت لنفسك بالإجابة

ارتجف جسدي أكثر وأنا أصرخ

- إنه لم يجبني، وكان الرقم محجوبا، أخبريني أنت من الذي يحادثك

صرخت منال وهي تلقى بالمنشفة على الفراش وقد انتقلت لها عدوى الصراخ

- مالذى دهاك يا مدحت؟ منذ متى وأنت تسألني عن من يحادثني، لتفحص الأرقام في الفاتورة القادمة بنفسك

وتركتنى لتجلس أمام المرآة وهي تعدل من زينتها وكأن شيئا لم يكن وأنا أنظر إليها وأكاد أحترق من فرط الغضب حتى صحت فجأة

- منذ متى وأنت تأخذين حمامك في هذا الموعد؟

توقفت منال عن وضع زينتها وهي تلتفت إلي محدقة بي غير مصدقة وهي تسألنى

- ماذا تقصد؟

شعرت أنني قد ضربت على الوتر الحساس وأنا أصيح في هياج حقيقي بعد ان تأكدت من ذلك

- أعنى أن هناك شخصا ما يدخل منزلي، أقصد أنك خائنة، أقصد أنك ساقطة رخيصة

ورفعت يدي اليمنى لأنهال علي زوجتى بصفعة هزت كيانها وهي تقف محدقة بي في ذهول، وتناهى إلى أذني صوت ابنتي وهي تركض مسرعة إلى الحجرة منادية باسم زوجتي

وتسمرت منال لعدة ثوان، وتوقفت ابنتي لتتجمد هي الأخرى في مكانها وهي تشاهدنا لأول مرة بهذا الموقف

ثم رفعت منال ذراعها الأيسر وهي تشير إلى باب الحجرة قائلة في صوت متحشرج

- غادر منزلى يا مدحت، لا أريد أن أراك هنا مجددا

تراجعت خطوتين إلى الوراء غير مصدق لما أسمعه وأكملت منال حديثها قائلة

- إن هذا منزلي، وبما إننى أصبحت الخائنة، فلا يحق لك البقاء فيه

ظللت أحدق في وجه زوجتى وكأنى أراها لأول مرة حتى صاحت بشكل هستيري

- قلت لك اغرب عن وجهي

وانطلق بكاء ابنتنا يشق سكون الليل وأنا أهرول من المنزل ... وكأن كل شياطين الجحيم تلاحقنى

وأدرت محرك السيارة وأنا أدير عيني في المنطقة لأشاهد الجميع ينظرون إلي من نوافذ حجراتهم

وانطلقت سيارتى مطلقة صريرا مزعجا نحو هدف واحد

منزل إســراء

تاركا خلفي دون أن أدري ... زوجتى منال

وهي تلتقط سماعة الهاتف وتطلب رقما خاصا

رقم الشيطـــان ..

شخصيا ...