19‏/07‏/2009

الفصل الحـادي عشــر




هناك ... على بعد عدة أميال من القاهرة الجديدة
وعلى الطريق المؤدي الى مدينة الاسكندرية السريع
توقفت احدى السيارات الفارهة امام بوابة لفيلا ضخمة ... واطلقت نفيرا لمرتين متتاليتين ، وانفتحت بوابة الفيلا في هدوء ...
وانزلقت السيارة الفارهة الى داخل الفيلا في سلاسة ونعومة وظهر احد الخدم وهو يركض الي السيارة في سرعة وهو يفتح بابها الخلفى وينحنى انحناءة مبالغة وهو يقول

- ان السيد ينتظرك يا سيدتى

غادرت السيدة السيارة في سرعة وهي تحث الخطى حتى وقفت في الردهة وهي تحاول في صعوبة ان تبتلع ريقها وهي تنظر الى باب المكتب المفتوح امامها والضوء الخافت والموسيقي تنساب من الحجرة ، ثم استجمعت شجاعتها ودخلت الى الغرفة لتقف امامه ...

أمام الشيطــان ... شخصيــا

*******************

التقطت هند هاتفها المحمول وهي تحاول الاتصال عبثا بأختها الكبرى بعد ان غادرت المنزل ، وجاءتها الرسالة المسجلة التى تفيد ان الهاتف خارج نطاق الخدمة في رتابة وملل ، واطلقت زفرة حارة وهي تقذف بالهاتف على الفراش ، والقت جسدها على الأريكة الكبيرة التى تواجه الفراش وهي تنظر إلي هاتفها المحمول

حتى ارتفع صوت صياح الطفلة ، فانتفضت في عنف وغادرت الغرفة مهرولة الى غرفة الطلفة المجاورة لها مباشرة وهي تربت على كتفها قائلة

- لا تقلقى يا صغيرتى ، انه حلم مزعج

واستمرت في تهدئتها حتى أسبلت عينها في نعومة وبراءة من جديد وارقدتها في هدوء وحرص على الفراش .... ونهضت لتمسك الغطاء ... وتسمرت في مكانها وهي في ذلك الظرف الأصفر الذى ظهر طرفه من أسفل الوسادة ...

ثم مدت يدها المرتجفة لتلتقطه في سرعة وهي تحاول ان تغادر الغرفة في هدوء ، وبقفزة واحدة ... اصبحت في ردهة المنزل وهي توقد الانوار وتفض المظروف في عنف ... وتقرأ سطوره القليلة ... لتطلق شهقة جزع ... ووداع . ممهورة بأسم أختها الكبرى

إســـراء ســـالم

***********************

انقضت ساعات الحب الطويلة بين إسراء ومدحت في حب عنيف ... على كل لقائهم الأخير ... وغط مدحت في نوم عميق ... في احضان اسراء التى شرعت تداعب خصلات شعره وهي تنظر نحو المرآة ...

واستولى عليها التفكير كثيرا بعد ان انتهى دورها واستلمت ما تريده لتؤمن حياتها وحياة طفلتها ... ومستقبل اختها الصغرى ...

وكان الثمن هو تسليم عشيق وحبها الوحيد الى يد الشيطــان نفسه .

ولكنها لم يكن لديها الخيار ... فهى تعلم ما قد ستؤول اليه الامور ان رفضت ... أو حتى لمحت بالاعتراض

فقد كانت ابنتها هيا الثمن ...

واليوم بعد انتهت الخطة .... ولم يتبقى سوى الخطوة الأخيرة ... جاء حبيب العمر ليطلب منها الزواج ...

وأصبحت امام المفترق الصعب ... وكان عليها الاختيار

فقد اصبحت الدقائق ثمينة ... للغاية
**********************

- هل حصلتى على الخاتم

نطق ذلك الشخص الذى يجلس خلف المكتب والظلال تخفى الكثير من ملامحه وهو يتحدث في صرامة وخشونة الى تلك السيدة

فأومأت السيدة برأسها في ايجاب ... فأشار لها بالجلوس على الكرسي المواجه إليه بجوار الباب


جلست والقلق يرتسم على ملامحها في وضوح وهي تقول

- هل يمكننى أن أرى أخي الآن

أجابها الرجل في اقتضــاب

- كلا ، انه نائم ...

صمتت السيد وهي تنظر إلى أرض الحجرة في انكساء ، مما جعل الرجل يضحك في استهتار واضح وهي يقول في تهكم

- يبدو أنك قلقة عليه

رفعت السيدة رأسها في ذل ...

فأكمل الرجل وهو ينهض من على مكتبه وهو يتحرك نحوها وتظهر ملامحه في وضوح وهو ينحنى لينظر اليها مباشرة

- لقد انتهى الامر ... وستقيمين الحفلة في الغد ... ليحضرها الجميع ... وستنالين كل ما ترغبين يامنــال

واطلق ضحكته التى بدت انها تتردد في الجدران في قوة ... وأخلتج قلب منال معها ... وبعنف


تململ مدحت في الصباح وهو ينظر الى ساعة الحائط في كسل وهو يبتسم لرؤية اسراء وهي تصفف شعرها امام المرآة التى ابتسمت له عندما رأته وهو ينظر اليها ... ونهضت لتجلس على طرف الفراش وهي تقول في دلال

- ألم يحن الوقت لكى تنهض ....

ابتسم وهو يجيبها

- أن اليوم العيد القومى لتحرير سيناء ... بمعنى آخر ... أننا سنقضى اليوم سويا

هزت اسراء رأسها نافية وهي تقول

- كلا ، يجب عليك ان تذهب لكي تجهز نفسك لعيد ميلاد ابنتك ، وشراء هديتها اليوم .

ظهر الازعاج على وجه مدحت وقد تذكر ان اليوم هو موعد عيلاد ميلاد ابنته في النادي ، وتضاربت الاحداث في رأسه

فابتسمت اسراء وهي تضع يدها على قلبه

- لا تقلق يا حبيبي ، سأكون معك ...

اجابها في حيرة

- ماذا تعنين

زادت ابتسامتها في غموض وهي تهتف

- هل نسيت ان زوجتك قد وجهت لي دعوة بهذه المناسبة

ودات ابتسامتها غموضا ... اكثر ... واكثر ...


*************************

وقفت منال زوجة مدحت تشرف على الاعدادت الخاصة لحفل عيد ميلاد ابنتها في ذلك النادي الذى يعد من أرقى الأندية في القاهرة ..

وقد اصابها القلق لما سيجرى في هذا اليوم ... وحرصت ان تظل القاعة خالية ... ولا يدخلها سوى الطاقم الخاص باعداد الحفلة ، وهى تنقل بصرها بين الفترة والأخري بين ساعتها وبين العاملين في القاعة حتى فرغت من كل الترتيبات وراجعت اسماء المدعوين مع المقاعد وفقرات الحفل المقترحة

وخرجت لالتقاط ابنتها التى تلهو وتعلب مع عدد من الاطفال في احدى القاعات المخصصة في النادي ، وذهبت معها لتغير ملابسها استعداداً للحفلة ...

في نفس الوقت الذى استقلت فيه اسراء سيارة مدحت وهي تطلق ضحكة عالية قائلة في سعادة حقيقية

- ان هذا الخاتم اروع بكثير من ذلك الخاتم القديم يا مدحت

ابتسم مدحت في رصانة غير معهودة وهو يرد باقتضاب

- ولكنك لا تعرفين قيمة الخاتم الاخر

تسرب القلق الى اعماق اسراء فاسرعت تسأله في دلال

- وهل ستعلن خطوبتي اليوم امام زوجتك

ضم مدحت شفتيه وهو يشعل محرك سيارته وهو يقول في اقتضاب

- هذا يعتمد .....

ثم صمت قليلا ...

فسألته اسراء في الحاح

- يعتمد على ماذا يا مدحت ؟؟؟

جذب مدحت ذراع السرعة وهو ينطلق بسيارته قائلا

- يعتمد على ما سيجرى في هذه الليلة

وانطلق مسرعا في طريقه الى النادي ... فقد كان عقله يشتعل بمئات الافكار ، وقد أيقن ان هذه الليلة ستكون مميزة ... للغاية

10‏/07‏/2009

الفصل العاشر




قفزت هند في فزع بعد سقوط الفنجال من يد اختها الكبرى اسراء وتلك الاخيرة تصيح فيها بجنون
- ماذا فعلتي أيتها التعسة

وضعت هند يدها على صدرها محاولة تهدئة قلبها وهي تبتلع ريقها في صعوبة قائلة

- ماذا هناك يا إسراء؟

دفنت إسراء وجهها بين كفيها وهي تقول في صوت متهدج

- لقد هدمت كل شئ يا هند، أنت لا تعرفين مدحت مثلما أعرفه أنا، لن يستسلم حتى يصل إلى حسن

سألتها هند في حيرة
- وماذا في هذا ؟

رفعت إسراء عينيها إلى أختها الصغيرة الحائرة، وارتفعت الدهشة مع حاجبى هند وهي ترى الدموع التى تسيل من عين اختها وهي تقول

- إن حسن الصواف هنا في القاهرة يا هند، وقد كنت معه البارحة ... وقد أخبرنى بموافقته على تكفله بمصاريف دراستك التى ترغبين بها في الخارج بعد الانتهاء من التخرج، وكان الثمن هو تقديم رأس مدحت اليه

وانطلقت شهقة هند مع رنين جرس الباب الذى يدقه مدحت في جنون، ليعلن بداية المنحنى الأخير من رحلتنا ...

------------------

انزعج مدحت كثيرا وهو يدق الجرس عدة مرات دون مجيب، دون أن يعلم ما الذي يجرى خلف الباب ... فقد كان عقله يضج بمئات الأسئلة، ويريد إجابتها بأية طريقة ولم يجد سوى إسراء

أما في الداخل فقد أشارت إسراء إلى أختها بأن تدخل إلى غرفتها، وتحركت أختها كالمصدومة غير مصدقة لما سمعته الآن.

ونزعت إسراء سترتها وهي تلتقط منديلا من على الطاولة لتمسح به دموعها وتعدل من وضع زينتها في سرعة وحرفية وفتحت أزرار القميص في سرعة وهي تلقى نظرة على المرآة التى بجانب الباب وهي تحمل مزيجا بين البغض والامتعاض واللهفة.

وتوقف دق الجرس بعد أن يأس مدحت من الإجابة واستدار متجها إلى باب شقته ولكنه سمع صوت الباب وهو يفتح، فاستدار في حدة وهو يرى وجه إسراء يطل من خلف الباب وهي تبتسم في خمول وكسل قائلة

- مدحت

ارتبك مدحت قليلا ثم سألها

- هل كنتِ نائمة ؟

أجابته في ابتسامة حنون بعد أن تأكدت أنها قد كسرت حدة اللقاء

- بل كنت أستعد للنوم

صمت لثانية وهي تغمزه بعينيها

هل تنوى المبيت هنا .... وحدك؟

صمت مدحت دون إجابة وهو في قمة الحيرة وقبل أن يفتح شفتيه ليجيبها، استطردت إسراء في سرعة

- سأغير ملابسى وسآتي إليك في عشر دقائق

وأغلق الباب واستندت إليه وهي تطلق دمعتها الحبيسة في صمت، ثم تحركت إلى مقعدها لتجمع أشلاء فنجانها المكسور ..

--------------------------------

قطعت منال الردهة ذهابا وإيابا وهي تفرك يدها في عنف، لقد نفذت الخطة بكامل حذافيرها ... واستمعت إلى حسن في كل شئ نصحها به ...
ولكنها لم تعد تقدر على التمثيل أكثر من هذا
إنها بحق تكره مدحت من أعماق قلبها ...
وهذا ما دفعها للجوء إلى حسن .. واستشارته
الذى كان له نصيب الأسد فيما يجرى
وأصبح هدف تحطيم مدحت أكثر مما ترغب فيه شخصيا
لكن بعد هذا اليوم
فقد قطعت الطريق ... وتعجلت النهاية ...
وقررت أن تصبح في حفل الزواج ...
الأخير

---------------------------------

توقفت إسراء أمام باب مدحت طويلا ... ثم حسمت أمرها وطرقت الباب ثلاث طرقات متتالية

ولكنها لم تجد استجابة ... فأطلقت زفرة طويلة وضغطت على جرس الباب

وسمعت وقع أقدام مدحت، ثم ظهر من خلف الباب وهو يرمقها بنظرة طويلة وترك الباب مفتوحا ودخل إلى غرفته مباشرة

فدخلت إسراء بسرعة وأغلقت الباب خلفها وهي تراقب ما جرى للمنزل، فقد كان من الواضح أن مدحت يبحث عن شيئ ما

وتصاعدت مخاوفها عندما سمعت صوت الصندوق وهو ينسحب من أسفل سرير مدحت

فتحركت بسرعة وهي تراقب مدحت وهو يفرغ أغراضه بعصبية

فسألته في توتر

- عن ماذا تبحث يا مدحت؟

هز مدحت رأسه دون إجابة .. فمالت إسراء عليه وهي تضع يدها حول عنقه وتلتصق به من الخلف وهي تهمس في أذنه

- هل تريد مساعدة؟
توقف مدحت وارتعش جسده ... وشعرت إسراء بتلك الرعشة ... فابتسمت في نصر وهي تتابع

- أم تفضل أن نقوم بشيئ آخر

نهض مدحت من جلسته التى تشبه القرفصاء وهو يستدير لمواجهة إسراء مباشرة

وهو يتأمل وجهها الجميل ويستنشق عطرها المميز ليملأ به صدره ... ثم ابتسم لينطق بجملة واحدة

- هل تقبليني زوجا لك يا إسراء؟

03‏/07‏/2009

الفصل التـــاسع




ساد صمت طويل ... حتى غطت الطفلة في نوم عميق بعد ذلك الإجهاد العصبي الذي عانته منذ قدومى في أحضان هند أخت إسراء الصغرى ... وحملت هند الطفلة لتضعها في فراشها.

أما أنا فقد كنت في دوامة طويلة وأنا أتذكر تاريخا قديما ... لشخص يدعى حسن الصواف ... ابن رجل الأعمال المشهور محمد الصواف، الذي تم اتهامه في أحداث قديمة .. فقد كان صاحب أشهر شركات توظيف الأموال، وكان يخفى أعمالا كثيرة غير مشروعة في الدولة ولكن علاقاته القوية كانت تخفى الأمور دائما، وكانت نشأتهم عادية مثلنا جميعا، لكن حسن كان دائما يكرهني، لتفوقي الدائم في الدراسة عليه، وكنت ألاحظ دائما نظرات الحنق والحسد منه عندما يشاهدنى وأنا أمشي في الشارع برفقة إسراء، وكان دائم التحرش بها، ولكن بعد ذلك الثراء المفاجئ الذى أصاب والده، انتقلوا لإحدى الفلل بأرقى أحياء القاهرة، وكنا نسمع الأخبار من حين لآخر عن ابنه حسن الذي ألحقه والده بالجامعة الأمريكية، ثم جاء خبر فضيحة والده ... وهروبه إلى الخارج ... وانقطعت الاخبار عن محمد وولده منذ ذلك الحين ... وتقدمت بعدها إلى خطبة إسراء ... ورفضنى والدها ...

تاريخ غريب، ولكني لم أقدر على نسيانه أبدا ... وبدأت استنتج الخطوات بعد زواجى من زوجتى منال ... وتخيلت حسن وقد تقدم لخطبة إسراء، بالأموال المهربة إلى الخارج، وبالطبع لم يكن أمام والد إسراء سوى الموافقة وإتمام الزواج في سرعة ... والغريب أنني لم أفكر طوال ذلك الوقت، في مجرد الزيارة لمنزلي القديم، أو محاولة الاتصال بإسراء التى فقدت الأمل في الاتصال بي مرة أخرى بعد أن غادرت المكان دون رجعة ...

أفقت من افكاري علي صوت أقدام هند وهي تسير نحو الطاولة لتضع أمامي قدح القهوة في صمت ثم تتحرك في خطوات مضطربة لتتخذ مقعدا يبعد عنى قليلا

وبدأ الفضول يأكلنى لمعرفة صحة ما وصلت إليه فاعتدلت في مقعدى وأنا أسأل هند في هدوء حقيقي
- اعتذر يا هند عن تصرفي، ولكني في حاجة لمعرفة ماهو مصير حسن الصواف الآن

نظرت إلي هند في ارتياب ثم اجابتنى في اقتضاب:

- لقد غادر البلاد منذ أكثر من أربع سنوات ... وانفصل عن اختى وهو خارج البلاد، بعد أن حجرت الحكومة المصرية على باقى أملاك والده. ولا يعلم أحد عنه شيئا حتى الآن

التقطت قدح القهوة وأنا أرتشف منه رشفة صغيرة لأسألها قائلا
- وماذا عن اختك، هل كانت سعيدة في حياتها معه؟

هزت هند رأسها في قوة وهي تقول
- مطلقا، فقد كان يعاملها كالجارية، وكان يخفى في أعماقه انطباعات غريبة ولكنه كان شديد الدهاء والمكر في تصرفاته حتى ....
قطعت حديثها وهي تنظر إلى الأرض في مرارة وتعض شفتها السفلى

وكنت أتحرق شوقا لمعرفة الأحداث ولكني انتظرت في صبر

وأكملت هند مستطردة
- حتى قام بالتحرش بي جنسيا

اندفعت دموع هند في حرارة عند تلك النقطة ولم أقدر على فعل شيء، فقد شعرت بالذنب وكأنى أنا السبب في كل ما جرى لإسراء وأختها ... لم أكن أدري ماذا أفعل ....

سوى أن أنهض من على المقعد وأغادر المكان وأغلق الباب خلفي في هدوء، وأستقل سيارتي وانطلق على غير هدى في شوارع العاصمة حتى توقفت أمام كورنيش النيل ....

وغادرت سيارتى ووقفت اتأمله في صمت ...

فقد أصبحت الأمور معقدة للغاية، بعد كل ما سببته من ألم لإسراء وأختها ... وافتراقنا طوال هذه السنين، حتى أنجبت طفلتها من حسن الصواف، وتذكرت تلك الدمعة ... التى ذرفتها إسراء عندما كانت في أحضاني ... تذكرتها جيدا وشعرت بما كانت تعانيه من ألم

شعرت بقسوة القدر ... وقرار أبي ... ضابط الامن الذى لم يحافظ على حياتى واستقرارى ... وإجباره لي على زواجي من منال ... ابنة المحافظ في ذلك الوقت ... لأغراضه الشخصية، واقتناعه بأن هذا هو القرار الصائب ...

وها نحن الآن ندفع ثمن أخطائهم .

أطلقت زفرة حارة بما يعتمل في نفسي عندما وصل تفكيري عند تلك النقطة ... وتلفت حولي. ووجدت فتى وفتاة يمشيان الهوينى بجانب الكورنيش ويتهامسان وهما يمسكان بأكف بعضهما البعض، فابتسمت في حنان، وغادرت المكان في هدوء .. تاركا لهما المكان

لأستقل سيارتي، وأنطلق عائدا إلى المنزل ... لأبدء في رسم حياة جديدة ... لا أعلم إلى أين ستقودني ...


دقت الساعة الثامنة مساء وأنا ألتقط سلسلة مفاتيحي وأنا أفتح باب المنزل بعدما أرهقني التجول في أنحاء المدينة ...

ودخلت إلى البيت في خطوات هادئة ... واهنة ... وأفرغت متعلقاتى على الطاولة كعادتى دائما ... وكان المنزل هادئا جدا.

حتى تحركت في سرعة إلى حجرة ابنتي لأجدها تغط في نوم عميق، فتنفست الصعداء وصعدت درجات السلم في سرعة إلى حجرة نومي. ودنا إلى أذني صوت خرير الماء معلنا أخذ زوجتي منال لحمامها اليومي، وفي برود روتيني ... توجهت إلي ركن الحجرة لألتقط منامتي وأنا أفكر في كل المجريات التى ألقتها لي الحياة في هذا اليوم، وقاطعني رنين هاتف زوجتى الخليوى.

فألقيت نظرة خاوية على الهاتف وأنا أصيح في زوجتى

- إنها مكالمة لك يا منال

ويبدو أن منال كانت مستغرقة تماما لدرجة أنها لم تنتبه إلي، فمطيت شفتي في لا مبالاة وفتحت باب الحجرة

وتسمرت في مكانى

شئ ما قفز إلى عقلي بعد كل ما جرى، وربطت الأحداث الجديدة مع ظهور حسن الصواف في حياتى مجددا، وبقفزة واسعة ... التقطت الهاتف، وتصاعدت الدهشة والشك في أعماقي إلى ذروتها

فقد كان الهاتف لا يحمل رقم المتصل

وبكل ما يجول في عقلى من انفعال ، ضغط على زر الاجابة ....

وبكل قسوة


ألقت إسراء جسدها على الأريكة المفضلة لديها في المنزل وهي تلتقط أنفاسها في صعوبة، وتشير إلى أختها قائلة وهي تخلع حذاءها

- من فضلك يا هند، إنني أتوق إلى فنجال من القهوة .... وبشدة

نظرت هند إلى أختها الكبرى في اشفاق وهي تومئ برأسها وتتجه إلى المطبخ في هدوء.

والتقطت الريموت الخاص بجهاز التلفاز وأخذت تقلب في القنوات الفضائية في ملل حتى ظهرت أختها وهي تحمل صينية القهوة وتضعها أمامها وتجلس إلى جوارها.

شكرتها إسراء بتمتمة غير مفهومة وهي ترتشف القدح في استمتاع مرهق، حتى لاحظت إسراء أن أختها الصغرى لم تزح نظرها عنها وهي تحدق بها، فضحكت في توتر وهي تقول

- مالذى أصابك يا هند، هل تريني لأول مرة؟!

ابتسمت وهي تخفض نظرها إلى الطاولة التى تتوسطهما وهي تتمم في خفوت

- لقد جاء أستاذ مدحت إلى هنا

ابتسمت إسراء وهي تتوقع حدوث هذا، فهزت كتفيها في لامبالاة وهي تكمل ارتشاف قهوتها في هدوء

لم تلبث هند أن حسمت أمرها ورفعت رأسها وهي تنظر مباشرة إلى إسراء قائلة

- لقد أخبرته بشأن زواجك من حسن الصواف

وسقط قدح القهوة لينكسر فوق أرضية الغرفة ...

وبمنتهى العنف ...


- من المتصل ؟؟؟

هتفت بتلك العبارة وقد شارف حاجباى على الامتزاج من شدة انعقادهما معا ..

ولم أتلق جوابا من الطرف الآخر، لكنى سمعت شبح ضحكة ما .. أو هكذا خيل لي ...

- ماذا تفعل يا مدحت؟

علا صوت زوجتى بتلك العبارة ليرتعش جسدى ويسقط الهاتف من يدي ليسقط هو الآخر على الأرضية ويظهر ذلك الشرخ على شاشته العريضة وانا التفت إليها صارخا

- من الذى كان يحادثك

تطلعت إلي منال لعدة ثوان بانفعال لم أستطع تحديده ثم أجابت في حدة وهي تشير إلى الهاتف

- أنت الذي يجب أن تجيب هذا السؤال، فقد سمحت لنفسك بالإجابة

ارتجف جسدي أكثر وأنا أصرخ

- إنه لم يجبني، وكان الرقم محجوبا، أخبريني أنت من الذي يحادثك

صرخت منال وهي تلقى بالمنشفة على الفراش وقد انتقلت لها عدوى الصراخ

- مالذى دهاك يا مدحت؟ منذ متى وأنت تسألني عن من يحادثني، لتفحص الأرقام في الفاتورة القادمة بنفسك

وتركتنى لتجلس أمام المرآة وهي تعدل من زينتها وكأن شيئا لم يكن وأنا أنظر إليها وأكاد أحترق من فرط الغضب حتى صحت فجأة

- منذ متى وأنت تأخذين حمامك في هذا الموعد؟

توقفت منال عن وضع زينتها وهي تلتفت إلي محدقة بي غير مصدقة وهي تسألنى

- ماذا تقصد؟

شعرت أنني قد ضربت على الوتر الحساس وأنا أصيح في هياج حقيقي بعد ان تأكدت من ذلك

- أعنى أن هناك شخصا ما يدخل منزلي، أقصد أنك خائنة، أقصد أنك ساقطة رخيصة

ورفعت يدي اليمنى لأنهال علي زوجتى بصفعة هزت كيانها وهي تقف محدقة بي في ذهول، وتناهى إلى أذني صوت ابنتي وهي تركض مسرعة إلى الحجرة منادية باسم زوجتي

وتسمرت منال لعدة ثوان، وتوقفت ابنتي لتتجمد هي الأخرى في مكانها وهي تشاهدنا لأول مرة بهذا الموقف

ثم رفعت منال ذراعها الأيسر وهي تشير إلى باب الحجرة قائلة في صوت متحشرج

- غادر منزلى يا مدحت، لا أريد أن أراك هنا مجددا

تراجعت خطوتين إلى الوراء غير مصدق لما أسمعه وأكملت منال حديثها قائلة

- إن هذا منزلي، وبما إننى أصبحت الخائنة، فلا يحق لك البقاء فيه

ظللت أحدق في وجه زوجتى وكأنى أراها لأول مرة حتى صاحت بشكل هستيري

- قلت لك اغرب عن وجهي

وانطلق بكاء ابنتنا يشق سكون الليل وأنا أهرول من المنزل ... وكأن كل شياطين الجحيم تلاحقنى

وأدرت محرك السيارة وأنا أدير عيني في المنطقة لأشاهد الجميع ينظرون إلي من نوافذ حجراتهم

وانطلقت سيارتى مطلقة صريرا مزعجا نحو هدف واحد

منزل إســراء

تاركا خلفي دون أن أدري ... زوجتى منال

وهي تلتقط سماعة الهاتف وتطلب رقما خاصا

رقم الشيطـــان ..

شخصيا ...

27‏/06‏/2009

الفصل الثـــامن



استيقظت على صوت المنبه في الصباح الباكر، ومددت يدي في كسل جميل وأنا أكتم صوته المزعج وتثاءبت في بطء وأنا أتأمل زوجتي وهي تنام بجواري ووجها مضيء مثل الملائكة بعد ليلة حب طويلة لم نعشها سويا منذ زمن ...

ابتسمت وأنا أداعب وجنتيها بأناملي، واستيقظت هي وابتسمت في وجهي، وطبعت قبلة سريعة على شفتيها لأخبرها

- ألن توقظي صغيرتنا لكي تذهب إلى المدرسة

أومأت برأسها وهي تتمتم بكلمات لم أفهمها ولكني غادرت الفراش وشرعت في تبديل ملابسي بسرعة وأخرج مسرعا إلى حجرة المكتب لأجهز بعض الأوراق التى يتوجب علي مراجعتها بعد اجتماع البارحة، والتقطت بعض الأوراق وأضعها في الحقيبة في سرعة، وعندما خرجت وجدت زوجتى تضع قدح الشاي المعطر برائحة النعناع وهى تقول لي

- إلى أين، ألن تتناول هذا الكوب ... لقد جهزته من أجلك خصيصا
وقفت أتأملها من جديد، وبدأت أشعر بقلبي وهو ينبض من جديد من أجلها ، وابتسمت وأنا أسألها

- هل استيقظت غادة؟
أجابني صوتها الطفولى وهي تركض من خلفي

- أنا هنا يا أبي

استدرت إليها وأنا أجدها تقف بجانب الباب وهي تفرك يديها بتلك الطريقة التى تعنى أنها تريد أن تطلب شيئا

فاطلقت ضحكة صافية وأنا أتناول القدح وأترك الحقيبة على الطاولة وأتوجه إلى الصغيرة قائلا

- مالذى دهى أميرة قلبي، ماذا تريدين

خفضت الصغيرة رأسها في حرج وهي تقول

- أريدك أن تقلني إلى المدرسة
ابتسمت وأنا أسألها

- ولماذا؟
أجابتني في فخر

- حتى يرى أصدقائي سيارتك

ضحكت منال في صوت عال ٍ وهي تقول

- يبدو أن ابنتك قد أخذت أول صفاتك، الاهتمام بالمظاهر

تأملت الصغيرة وأنا أتحسس شعرها ثم هتفت

- سأوصلك يا غادة إلى المدرسة
قفزت الصغيرة في فرحة وهي تقول لأمها

- هل ترين يا أمي، لقد كسبت ... أبي سيوصلنى الى المدرسة
ارتشفت رشفة كبيرة من قدح الشاي وأنا أشير لها أنني أهم بالانصراف

فلحقت بي منال وهي تقول

- سوف أقوم بالاتصالات مع باقى الأصدقاء لأدعوهم إلى حفل زواجنا
فتحت باب الشقة وأنا ألتفت إليها لأتأملها من جديد، لأبتسم مجددا وأنا أجيبها

- عيد زواج سعيد يا منال
وغادرت المنزل

إلى يوم جديد ... وأحداث جديدة من أهداب الخيانة


أوصلت غادة إلى مدرستها ... وتعمدت أن أقف بالسيارة أمام باب المدرسة لأترك الفرصة حتى تذهب إلى أصدقائها وتشير إلى السيارة لتريهم أنها سيارتي، وأحسست بالفخر من أجلها ومن أجلي ثم انطلقت إلى العمل ...

واستغرقت به حتى النخاع في مراجعة الأوراق والخطط وتدوين الملاحظات حتى دق جرس الهاتف الداخلي، فالتقط السماعة في ضجر وأنا أهتف

- ما الأمر يا سارة، لقد أخبرتك أنني لا أريد أي مقاطعة
أجابت السكرتيرة في ارتباك

- إنها مكالمة من فتاة تدعى إسراء ولقد أصرت على الاتصال بك
تذكرت فجأة أننى قد أغلقت جهازي المحمول كعادتي قبل الانهماك في عملي فأجبتها في توتر

- حسنا، مرري المكالمة
وكانت الدهشة تغمرنى فقد نسيت أمر إسراء تماما، وكأنها لم تكن في حياتى البارحة، وهل هذا يعنى أنها كانت نزوة فقط أم ماذا؟

أخذتني الأفكار حتى تدفق صوت إسراء بما يحمله من توتر في سماعة الهاتف

- مدحت، أين أنت؟ ألن تكف عن هذا العبث؟
أجبتها في هدوء وأنا أبتسم

- اهدئي يا إسراء حتى نستطيع أن نتحدث
أجابتني في حدة مباغته
- لماذا أغلقت جهازك؟
بدأ الضجر يدب في صوتى وأنا أجيبها
- إننى في العمل ولا أحب المقاطعة دون أمر مهم
قاطعتني في ثورة
- وهل أنا لست أمرا مهما بالنسبة لك
أجبتها في انزعاج
- ماذا هناك يا إسراء .. اهدئى قليلا
ساد الصمت قليلا ثم قالت لي
- أريدك أن تأتى حالا
هززت رأسي وأنا أجيبها
- لن أستطيع أن أغادر المكتب في الوقت الحا ...
قاطعتنى إسراء في برود
- لقد اتصلت بي زوجتك يا مدحت ...
وأغلقت الخط ...


لا ادرى كيف استطعت الانتظار حتى جاء وقت الانصراف من العمل، وانطلق غير مبال بالموظفين وهم يحدقون في وأنا أركض بين أروقة الطابق الذي أعمل فيه، وقفزت إلى المصعد بحركة لم أكن أتصور أنني قادر عليها وتعلقت عيناى بأرقام المصعد حتى انفتح باب المصعد وانطلقت إلى سيارتي بكل ما أحمله من طاقة في قدمي وقفزت نحوها غير مبال بالعامل البسيط الذى يقوم بترتيب السيارات أمام المبنى، وأدرت المحرك وانطلقت بالسيارة في حدة فأطلقت إطاراتها صريرا مزعجا وأنا أجرى كالمجنون بين طرقات القاهرة المزدحمة، وفي أقل من أربع عشرة دقيقة كنت أقف أمام باب إسراء وأنا أطرقه في إزعاج كامل وأنا أحاول التقاط أنفاسي في صعوبة.
وما هي إلا عدة ثوان وفتحت أختها الصغيرة هند الباب وقد بدا على قسماتها أقصى انطباعات الانزعاج والخوف والقلق، ولكن ما إن وقع بصرها علي حتى هتفت في دهشة
- أستاذ مدحت ، ماذا جرى ؟

لم أجبها مباشرة وأنا أندفع إلى داخل المكان وأتلفت حولي باحثا عن إسراء ولكن ما إن وقع بصري على شروق وهي تقف في ركن الردهة تحتضن دميتها في قوة وهي تنظر إلي في رهبة حتى تجمدت في مكانى والتفت إلى هند لأسألها وأنا أحاول أن أتمالك أعصابي ليبدو على الهدوء

- أين إسراء يا هند؟
هزت هند كتفيها في حيرة وهي تجيبنى
- إنها في العمل، لقد استدعوها اليوم لتقوم بالترتيب للحفلة

اختلط علي الأمر لدقائق ثم هززت رأسي وبدأت الأفكار تتصارع من جديد في عقلى المنهك من التوتر والتفكير ثم سألتها في حدة

- أية حفلة، ما هذا الهراء، ولماذا أغلقت هاتفها؟
انفجرت الصغيرة باكية من حدة صوتي ، وألقت علي هند نظرة مزدرئة وهي تتحرك مسرعة نحو شروق وتحملها في حنان، فدفنت الصغيرة رأسها في صدر خالتها وهي تبكى في صوت خافت، فهتفت هند في انزعاج

- استاذ مدحت ، اسمح لي أن أخبرك أنك قد تعديت كل أصول اللياقة والأدب هنا
تراجعت خطوتين إلى الخلف وأنا أشعر بالحرج الحقيقي لتصرفاتى أمام الطفلة التى لم تتحمل انفعالي، فخفضت رأسي وأنا أتمتم في خجل
- أعتذر يا هند، ولكن أختك تدفعني للجنون بحق
جلست هند على المقعد المجاور لها وهي تحمل الطفلة بعد أن توقفت عن البكاء وهي ترمقنى بنظرات مستريبة وساد الصمت المكان لدقيقتين، حتى أضاء مصباح ما إحدى الجوانب المظلمة في عقلى

فاندفعت نحو هند وأنا اسألها كالمجنون

- هند، من هو زوج إسراء، لمن هذه الطفلة

حدقت هند في وجهى لثانية ثم أجابت

- إنها طفلة اسراء و ...

قاطعتها في حدة
- ومن يا هند .. طفلة من هذه
أجابتني في حدة
- ابنة حسن الصواف

وهنا فقط .. تخاذلت قدماي ... وسقط على الكرسي المقابل لهند وأنا أحدق في وجه الطفلة

فقد كانت ابنة خطيب زوجتى .... السابق ...
وعدوي اللدود

23‏/06‏/2009

الفصل السادس والسابع



انقضى الاجتماع بدون أن اشعر بالوقت، وقمت بمراجعة الأوراق والمفكرة الخاصة التى دونت عليها أهم ملاحظات الاجتماع، وغادرت الغرفة متجها إلى مكتبي، وما إن رأتنى السكرتيرة الخاصة حتى قفزت من مكتبها وهي تعطيني البريد الخاص بي وهي تخبرنى أن زوجتى قد اتصلت ثلاث مرات وهي تطلب الاتصال بها للضرورة

نظرت إليها دون إجابة، وأومأت برأسي لأدخل إلى مكتبي وأغلق الباب وأنا ألقى بالحقيبة على الأريكة المواجهة للمكتب، ثم التففت حول المكتب لأجلس خلفه وأنا أسند ذقنى بيدي محدقا بالهاتف ...


وغرقت في بحر الأفكار ...

فقد كانت الأحداث تتوالى في سرعة لم أعهدها في حياتى الرتيبة، ولم يسبق لى أن شعرت بكل هذا النشاط
.. بعد تلك الليلة التى أمضيتها مع إسراء ...

واليوم، تبلغني السكرتيرة بأن زوجتى قد اتصلت بي ثلاث مرات متتالية، وتعد هذه السابقة الأولى منذ أول يوم في زواجنا

لم ألبث سوى أن التقط نفسا عميقا، وأطلقه في تنهيدة حارة وقوية، ثم ألتقط سماعة الهاتف لأتصل بأرقام منزلى في سرعة، واستمعت إلى صوت الهاتف الرتيب من الجهة المقابلة حتى أجابت منال قائلة

- الوو

أجبتها في سرعة
- إنه أنا يا منال ... مدحت ، مالأمر

هتفت في سرعة
- مدحت ، أين كنت ... لقد اتصلت بك ثلاث مرا ....

قاطعتها في ضجر بعد أن عرفت من صوتها أنه لا شيء يدعو للقلق
- هل كل شئ على ما يرام؟

أجابنى الصمت لفترة طويلة حتى قالت في نبرة من الرجاء
- هل ستعود إلى المنزل اليوم؟

تسرب القلق إلى أعماقى، فقد كانت المرة الأولى بحق التى أجد فيها زوجتى ناعمة ومنكسرة بهذه الطريقة

ولكنى أجبتها في النهاية بصوت متحشرج
- بالتأكيد

أجابتنى بصوت أكثر همسا
- سأنتظرك

وأغلقت الخط، وظللت متسمرا وأنا أسمع صوت الهاتف بعد إغلاق الخط، ثم أغلق الخط أنا الآخر، وأنا أشعر بأن الأيام القادمة ستحمل الكثير .... والكثير جدا

وقد كنت على حق




دقت الساعة السادسة مساء وأنا أتوقف أمام منزلي ومازالت الفكرة تسيطر علي منذ مكالمتى مع زوجتي منال

لكنى نفضت كافة الافكار وأخرجت الهاتف المحمول لأتصل برقم إسراء بعد أن حفظتها باسم رجل حتى أتجنب أصابع زوجتي التى تبحث في كل مكان كما أتصور ... بدأ قلبي في الخفقان عندما سمعت تلك الأغنية من على الجانب الاخر حتى جاء صوتها الحالم

- مدحت
- يا حبيب مدحت ، كيف حالك ؟
- أنا بخير، ماذا عنك؟
- أوحشتِني
- أنت أيضا

ساد الصمت قليلا، حتى هتفت إسراء في لهفة
- متى سأراك ؟

صمت قليلا وأنا أتطلع إلى البناية ثم أجبت
- قريبا يا إسراء، قريبا جدا

وأغلقت سماعة الهاتف وأنا أقفز من السيارة في حزم وقد اتخذت قرارى الحازم، وأسرعت الخطى إلى شقتي ... في الدور الرابع، لأبدأ الفصل الجديد من حياتى الزوجية ...

وأهداب الخيانة



طرقت الباب عدة طرقات متتالية دون أن أستخدم مفتاحي الخاص وسمعت صوت أقدام ابنتي وهي تقترب في سرعة من الباب فارتسمت ابتسامة تلقائية وسريعة وأنا أشاهد وجهها الجميل الذي ظهر من خلف الباب وهي تتقافز في طفولة وبراءة جميلة وهى تهتف باسمى، والتقطتها بين يدي ورفعتها عاليا لتتعالى معها ضحكاتها الصافية وفي دورة كاملة ضحكت معها كالطفل الصغير وقد نسيت كل ما مررت به ثم أنزلتها على الأرضية وأنا أطبع على رأسها قبلة حنونة...

وسمعت صوت زوجتي يأتي من خلفي

- حمد لله على سلامتك

التفت إليها في سرعة وتفحصتها في سرعة وأنا أكتم دهشتي، فقد كانت مختلفة...

في كل شيء ...

في ثوبها الأنيق وزينتها على غير العادة ... وحتى لهجتها ... ونظراتها المشتاقة ...

وكمعالجة سريعة للموقف ... ارتسمت على شفتي ابتسامة سريعة وأنا أضع سلسلة المفاتيح وجهازي الخليوى على المنضدة كالمعتاد ... وتعمدت عدم الاقتراب منها وأنا اخبرها أنى في حاجة إلى حمام ساخن، فأومأت برأسها متفهمة وهي تجيبني في همس عجيب

- لقد سبق وحضرته من أجلك

توقفت وأنا في طريقي إلى الحمام والتفت إليها أتأملها من جديد، محاولا فهم كل هذه المعطيات الجديدة دون جدوى، حتى تمتمت في سرعة واقتضاب:

- شكرا

ثم دخلت في خطوات سريعة أشبه إلى القفز باتجاه الحمام وأغلقته لأدور ببصري في المكان، وأراقب الشموع الجديدة بجانب المغطس وهززت كتفى وأنا أطلق كل توترى في زفرة طويلة ... حتى أتجرد من ملابسي ... وأستلقي في هدوء لأعيد ترتيب أوراقى في روية ... وحذر ... ورغبة ...


وخلال ساعة كاملة .. بدأت أتمالك أعصابي، وقد قررت أن أستمر في حياتى كما هي .. من أجل صغيرتي ... ومن أجل منزلي ... حتى لا تعانى من الصراع الذى طالما عانيت منه في حياتى، وخصوصا أننى قد وجدت حبي الأول ... ومتنفسي خارج البيت ..
وابتسمت في المرآة عندما وصل تفكيري عند تلك النقطة، ومشطت شعري في عناية ...
وخرجت وأنا أهتف باسم زوجتي
ووجدتها تتحدث في الهاتف، وقد اعتراها الانفعال عندما وجدتنى أمامها وأنهت المكالمة في سرعة وهي تجيب

- أجل يا حبيبي

دب الشك في عقلى فجأة وأنا أهتف في حدة غاضبة

- ماذا هناك، ومع من كنت تتحدثين ولا تريديني أن أعلم؟

قفزت منال من الكرسي وهي تجيب في سرعة لا تخلو من التوتر

- لاشئ يا مدحت، لقد جهزت لك الطعام.

وتحركت بسرعة باتجاه المطبخ، لكنى أمسكت بمعصمها في قسوة وأنا اجذبها نحوى وانا أحدق مباشرة في عينها صائحا

- تعالي إلى هنا وأجيبيني، مع من كنت تتحدثين؟

تأوهت منال في ألم وهي تقول

- مدحت، ماذا جرى لك ؟ أنت تؤلمني

تركت معصمها في حركة مباغته فأمسكت به وهي تحدق بي ثم ترقرقت الدموع في مقلتيها وهي تجيبنى في صوت متهدج

- إننى كنت أفضل أن تصبح مفاجأة سعيدة من أجلك يا مدحت، إنه عيد زواجنا وقد أردت أن أعد الحفلة من دون معرفتك كاعتذار لما سبق

وانهمرت دموعها وهي تغادر الردهة لتتركنى واقفا أحدق في مكانها الذى كانت تقف فيه .... كالأبله.



إنسدل الليل بأستاره السوداء، لأجلس في شرفة المنزل أرتشف قدح القهوة الذي اعتدت عليه في هدوء وأنا استمتع بنسمات الهواء لأتطلع إلى النجوم في استمتاع وكأنى أراها للمرة الأولى، وأنا لا أستطيع الخروج من وقع المفاجأة التى جهزتها منال من أجلى، ومازالت التساؤلات تملأني وتعصف بأفكاري

فهل من الممكن أن تتغير زوجتي لمجرد أنني تركت لها المنزل بهذه السرعة وأن تسعى لإرضائي وأن تعد الحفل لعيد زواجنا الذى لم نحتفل به من قبل، أم أنها في حالة نادرة للتغير ... بخلاف الشعور بالذنب الذى يساورنى بعد التفكير في إسراء، وهل يصبح إرضاء زوجتي هو الخيانة ... زفرت مجددا في ضيق وأنا أضع القدح من يدي، واستغرقت في تفكير عميق حتى ارتفع أزيز الهاتف من على الطاولة، فالتقطته في سرعة لأجد رقم إسراء.

فنظرت حولي لأرى مكان زوجتى ووجدتها أمام جهاز التلفاز تتابع مسلسل المساء، فالتقطت الهاتف ونهضت من الكرسي لأقف في مكان يتيح لى أن أرى حركة زوجتي دون أن تلاحظني، وجاء صوت إسراء مفعما بالقلق عبر الهاتف قائلة

- مدحت ، هل أنت بخير ؟
أجبتها في سرعة
- أجل أنا بخير
تنهدت إسراء في ارتياح وهي تسألنى
- ولم تأخرت حتى الآن، ألن تأتى ؟

ترددت قليلا ثم أجبتها
- إسراء، يبدو أنني لن أستطيع أن أحضر اليوم
أجابني الصمت لعدة ثوان حتى سألتنى

- هل سببت لك المزيد من المشاكل يا مدحت؟

أجبتها في سرعة

- كلا، مطلقا يا حبيبتي، إنني فقط متعب اليوم، كما أنني في حاجة لأن أكون في مكتبي غدا صباحا في موعد مبكر لإنهاء بعض الأمور

ثم صمت قليلا لأتابع

- ولكنى سأمر عليك بالتأكيد في الغد
جاءني صوتها في فرحة
- حسنا يا حبيبي، سأنتظرك

وأغلقت الخط ... ووضعت الهاتف في جيبي لأغادر الشرفة وأتخذ مقعدا على الأريكة بجوار زوجتي ... التى نظرت إلي في عتاب واضح، فابتسمت لها وأنا أمد إليها ذراعى... فتأملتني لثانيتين، ثم اقتربت مني ووضعت رأسها على صدرى لتهمس

- لقد اشتقت اليك

18‏/06‏/2009

الفصـل الخــامس




مضت دقيقة كاملة وانا اتأمل جسدها الابيض وهي ترقد كالملائكة في الفراش ، وانا احاول ان اعتصر ذهنى

فقد كنت متأكد من انى قد وصدت الباب جيدا ، وانى كنت ارقد بمفردى ، وعجزت قدماى على حملى ، وتاخذلت قدماى وسقط على الكرسي

ومضى وقت طويل وانا اتطلع اليها ، واتأملها

حتى تثائبت في شكل جميل وهي تفتح عيونها وهي تتململ وتنظر الي مبتسمة

- صباح الخير يا حبيبي

سألتها في حدة

- ماذا حدث

اعتدلت بنصفها العلوى وهي تقول مبتسمة

- ماذا تقصد

اشرت اليها بانفعال وانا اتسائل مجددا

- ماذا حدث بالضبط الليلة الماضية

زادت ابتسامتها اتساعا وهي تجيبنى

- لم يحدث شئ

ارخيت ذراعى وبدأت اسيطر على مشاعرى وانا اتأمل صدرها البارز ، ثم هززت رأسي وانا اسألها

- كيف دخلت الي هنا

التقطت مفتاح صغيرة كان على الطاولة المجاورة للفراش وهي تقول

- لقد اعطانى عم حسن مفتاح الشقة منذ عدة ايام

انعقد حاجباي للحظة وانا لا اجد سوى تفسير واحد ، ان البواب الكسول قد اراح ذهنه من عناء البحث المتواصل عن اغراضى وقد اعطى المفتاح للجيران الذى يعلمون كل شئ ... وزفرت في قوة وانا ارفع رأسي اليها متسائلا

وشعرت اسراء بما يعتمل في اعماقى ، واسترخت في الفراش من جديد ، وهي ترفع ذراعها العارى وهي تدعونى الى الفراش

وزاد ضربات قلبي في قوة وانا انظر اليها طويلا

حتى هتفت في مزيج بين العتاب والدلال

- هل ستتركنى هكذا طويلا

وكانت هذه البداية ، وحزمت امرى ، والقيت كل افكارى خلفى وانا انهض لارتمى في احضانها الدافئة

وفي اشتياق ولوعة ، شرعنا في قبلة عشق طويلة لم ننسى مذاقها منذ زمن ...

وداعبت عنقها باناملى وانا اقبله حتى دنت من شفتيها آهة صغيرة مكتومة ، وتخلصنا من ملابسنا كالمجانين

لنحتفى بلقاء دام انتظاره الكثير ....

وفي خارج المنزل ...

دوى صوت الاقامة لصلاة الفجر ....

وبداية صفحة جديدة ...

من صفحات الخيانة ...

خيانة زوجين ... ولقاء

عاشقين ...


************************


انتهى لقاؤنا ... بعد ساعة كاملة

أحسست بها بسعادة غامرة ، لم أشعر بها قط من قبل ... ومددت يدي أمسح العرق الذى يتصبب من جبيني وأنا ألقى بجسدى على الفراش جوار حبيبتى وأنا ألهث في قوة.


وأغمضت عيني في استمتاع حتى شعرت بجسد إسراء وهي تضع رأسها على صدرى وتداعب بطنى بأناملها، وشعرت بهمسها الجميل ... ولكنى كنت أسقط في بئر عميق ... واكتنف اللون الأسود كل شئ ...

ومضى الوقت دون أن أشعر بشيء

حتى أفقت على هزات خفيفة من يد إسراء، وفتحت عيني في كسل وأنا أتثاءب

ثم ابتسمت وأنا أشاهد ابتسامتها الجميلة وهي تقول

- ألن تستيقظ لتذهب إلى عملك ... أم أنك لا ترغب في الذهاب؟

مددت إليها يدي وقربتها إلي لأطبع قبلة على شفتيها ثم سألتها في خمول

- كم الساعة الآن؟

أجابتنى في دلال

- الواحدة ظهرا
حدقت في وجهها في رعب واضح ثم قفزت اختطف ملابسى في سرعة وقد تذكرت موعد الاجتماع الشهرى في تمام الساعة الواحدة والنصف ولوحت بيدي مودعا في سرعة وأنا أفتح باب الشقة لأقفز درجات السلم في سرعة

وأستقل سيارتى وأنطلق بها مسرعا ... بين شوارع المدينة المزدحمة


تاركا إسراء .... في حجرتى

لتبدأ حملة التنظيف داخل الحجرة

وتبدأ بذلك الصندوق ...

الذى يحوى جميع ذكرياتى


*************************

أوقفت سيارتى في مكانها المخصص أمام تلك البناية الخاصة بالشركة التى أعمل بها

وقفزت من السيارة وأنا ألتقط حقيبتى من المقعد الخلفى وأنا أتحرك بنشاط ملحوظ ... وغريب

واقتحمت غرفة الاجتماعات بابتسامة عريضة قائلا

- أعتذر عن التأخير

نظر مدير العلاقات العامة للشركة إلى الساعة وقال لي

- مازال هناك دقيقتان على ميعاد الاجتماع يا مدحت

كست الدهشة الحقيقية ملامحى وأنا ألقى نظرة خاطفة على الساعة الكبيرة المعلقة على جدار غرفة الاجتماعات وبالفعل ... وجدت أننى وصلت مبكرا عن موعدى ... وللمرة الأولى

فاتخذت مقعدى ... والفكرة لا تفارق رأسي، هل هذا التغير بسببها هي ...

بسبب إسراء ...

أم بسبب الخيانة ...

12‏/06‏/2009

الفصـل الــرابع





توقفت لدقائق في الردهة وانا اتأملها في صمت

ثم اسرعت الي غرفتى لاخرج منها احدى ملابسي القديمة وانا اتأملها ضاحكا ، ثم انتقيت جلبابا فضفاضا ... وخرجت من الغرفة الى حمام المنزل العتيق ، ومددت يدي لأوقد النور ... وأدخل سريعا تحت رذاذ الماء الفاتر وانا ادندن بأحدى الاغانى التى اعشقها للمطرب الراحل ( عبد الوهاب )

وشعرت مع الوقت كأنى ازيل كل الشظايا من حياتى وانا اقف تحت الماء ، حتى فرغت تماما وانا امسك بالروب الابيض القطنى وارتديته واتأمل جسدى في المرآة ضاحكا في استنكار

فقد بدا قصيرا وصغيرا على شكل مضحك وخرجت الى غرفتى لأرتدى ملابسي في سرعة

وانظر الى المرآة متأملا وجهى وشعرى المبلل

ولسبب ما ، بدأت اتأمل الشعيرات البيضاء التى بدت مبعثرة على فودي طويلا ... وبدأت تصفيف شعرى في عناية

واستدرت الى مكتبتى الضئيلة بعد ان فرغت معظم محتوياتها التى قمت بنقلها الى منزلى

والتقطت احد قصص الخيال العلمى المحببة الى نفسي ، وجلست اقرأها في حماس غريب

حتى دق جرس الباب

فاعتدلت في حدة ، وانا انظر الى القصة والى الباب في حيرة ، ثم القيت بالرواية على الفراش لأنهض متجها الى باب الشقة فتعثرت باحدى الكراسي بشكل غريب وسقط على الأرض متعثرا في ضجيج عالى .

وتوقف جرس الباب للحظة ، وسمعت طرقات اسراء على الباب وهي تصرخ

- مدحت ، هل انت بخير

اجبتها في صوت عالى وانا احاول النهوض من سقطتى

- اجل انا بخير ، لقد تعثرت في الكرسي اللعين

وترنحت من فرط الالم وانا اذهب الى الباب لأفتحه واشاهد وجه اسراء يظهر من خلف الباب وهي تهتف في قلق

- هل انت بخير

اشرت الى الكرسي في غيظ وانا اتمتم بكلمات لم افهمها

فابتسمت في حنان وهي تضع يدي على كتفها وتسير بي نحو اقرب كرسي صادفها لتجلسنى في رفق وانا اتأملها ، وجلست الى جوارى

وشعرت بعطرها يلفحنى في حرارة وهي تقول في خفوت

- هل تريد الذهاب الى الطبيب

ضحكت وانا اشير لها ان الامر لا يستدعى حضور الطبيب

مدت يدها تتحسس خذى وهي تهمس

- هل احضر الطعام الي هنا

نظرت اليها طويلا وانا اتأمل عينيها السوداوتين في حب واضح ثم اجبتها في صوت غير مسموع

- المكان هنا غير مناسب

اومأت برأسها ونهضت وهي تمد يدها الي ، ولكنى اعترضت في حرج وقد أبت رجولتى ان استند عليها للذهاب الى شقتها ، ونهضت وانا اخفى الألم واشاهدها تتأملنى في دقة ثم اجابت في بساطة

- هيا بنا اذن .

ودخلت الى شقتها في سرعة واغلق انا باب شقتى ودخلت الى الشقة وانا اغلق الباب في توتر لأجلس على مائدة الطعام في نهاية الردهة لأتأمل جميع الاصناف وانا اتسائل كيف استطاعت ان تحضرها في هذا الوقت القصير ، حتى سمعت صوت اقدامها وهي تضع طبق الحساء المفضل لدي ... وتجلس الى جوارى

فتململت في مقعدى وانا اتسائل

- ألن تشاركنا شقيقتك الطعام

هزت رأسها نافية وهي تجيب

- لقد غادرت مسرعة للحاق باصدقائها ، لتسليم احد ابحاثها اليوم

تسائلت مجددا

- وابنتك

نظرت اليّ اسراء للحظات ثم اطلقت ضحكة طويلة

- انها نائمة يا مدحت

ابتسمت في حرج وكأني طالب بليد وبدأت في تناول الطعام ، وكانت اسراء تصر اثناء تناولى الطعام ان تطعمنى بيدها بين الفينة والفينة ... حتى انتهيت وهي تصر ان تطعمنى بيدها بقطعة من الدجاج المحمر ، فالتقطها بفمى وانا انهض بسرعة لأدخل الى الحمام واغسل يدي ... وذهنى يعمل في سرعة لأقرر ماذا سأفعل بعد قليل ... وقد بدأت اشعر بضرورة مغادرتى لهذا المنزل واغلقت الصنبور في عصبية وانا ابحث عن شئ لأنشف يداي

فخرجت بخطوات سريعة وانا اهم بمناداة اسراء ، وإذا بي أجدها تقف امامى مباشرة وهي تحمل منشفة بيضاء ... مزينة بوردة حمراء وهي تبتسم

تأملت المنشفة في صمت وانا اقترب منها لأتناولها وامسح يدي في بطء ...

فقد كانت تلك المنشفة ، من صنع يدها ، منذ ان كنا سويا ... منذ زمن بعيد

ثم زفرت في قوة وانا القى المنشفة على الكرسي المجاور لي وانا التفت الى اسراء وارفع ذراعى تجاهها قائلا

- اسراء ... لكم اشتقت اليك

ودون مقدمات ... التقطها بين ذراعى ... واحسست بدفئها وانا اتحسس شعرها الناعم

وانحنيت على شفتيها الرطبتين لأطبع قبلة طويلة ، حملت كل ما اخفيه من حب واشتياق ,,, ولوعة

لتعلو فجأة صوت شهقة مفزعة

وانتفقض جسدى ، وابتعدت اسراء عنى في عنف وانا التفت الى مصدر الصوت

لاجد شقيقتها الصغرى تقف امامنا جاحظة العينين

ليشتعل الموقف ...

وبشدة ...

*************************

تجمد الموقف لعدة دقائق وهند تنقل بصرها بيني وبين اختها الكبرى اسراء ، ثم تركتنا واندفعت مسرعة الى غرفتها وتساقطت بضعة الاوراق من حقيبتها

والتقت نظراتنا في صمت ، ثم همست في حزن منكسر

- اعتذر يا اسر ...

قاطعتنى في هدوء وهي تضع اناملها على شفتي قائلة

- لا تعتذر ، نحن لم نقم بشيئ يستحق الاعتذار

انعقد حاجباى وانا اتأملها في تأنِ ، ثم تحركت في خطوات مرتبكة الى المائدة لألتقط سلسلة مفاتيحي الخاصة مع هاتفى المحمول وانا اتجه الى باب المنزل

فهتفت بي قائلة :

- هل ستغادرنا الليلة

وقفت في مكانى قليلا ثم التفت اليها لأشاهد قسمات الحزن التى بدأت ترتسم على وجهها الجميل

ثم ابتسمت واجبتها بسرعة

- كلا ، لقد تركت المنزل أثر شجار نشب بيني وبين زوجتى

ابتسمت اسراء ... وابتسمت لابتسامتها ...

وغادرت المكان في سرعة ، ودخلت الى شقتى

وخلعت القميص والقيته في اهمال على الكرسي المقلوب أثر تعثرى به ، ودخلت الى حجرتى والقيت بجسدى على الفراش وانا احدق في السقف في صمت .... وذهول

فقد كان عقلى منهكا بعد رؤية هند وهي تشاهدنى وانا أقبل اختها الكبيرة ، وتذكرت كلمات اختها

اننا بالفعل لم نفعل شئ يستحق الاعتذار ، بعد كل هذه السنين ...

بعد كل هذا الفراق ، بسبب تعنت الآباء ، تركونا نتعثر في دروب الظلام ، بكل قسوتها وهم يظنون انهم يقوموا بدورهم لحمايتنا

والدى مارس سلطانه وقسوته علي ، وعلى زواجى ... ورحل تاركا اياي منغمسا في نجاحات وهمية لا اعرف لها طعما ولا رائحة

ووالد اسراء الذى رفضنى لضعف حالى عندما تقدمت اليها حينذاك وهو يصر انه لن يتركنى اتزوجها قبل ان اجهز شقة فاخرة بأسمها في احد احياء القاهرة الراقية ، فهو لم يتبقى له من العمر الكثير ، ويجب ان يطمئن على ابنته البكر ....

وافترقنا عن بعضنا ، وانجبنا الاطفال ...

ولكن لم انسى يوما ما همساتها ... وحضنها الدافئ

لم اضاجع زوجتى يوما دون ان اتذكرها ، وربما لم اشعر بالسعادة سوى عندما اتخيل اننى في احضان اسراء ... وليست زوجتى ، حتى اتغاضى عن ذلك التمثيل الردئ التى تقوم به زوجتى على الفراش

زفرت في ضيق شديد ... وفي دهشة تحسست الدمعة التى ذرفتها عيني اليسرى في صمت ، وتأملت اصابعى ثم مسحتها في اقمشة الوسادة وانا اغمض عيني ... واغط في نوم عميق ... لم اشعر به منذ سنوات

وبدأت الاحلام الوردية تزورنى ... حتى شعرت بالقلق على صوت اذان الفجر الذى شق سكون الليل ... ففتحت عيناى في كسل

وانا اتحسس جسد زوجتى وعدت اغمض عيناي

وفجأة

قفزت من الفراش وانا اضئ المصباح

لأقف وانا ارتعش في وسط الحجرة

فقد كانت اسراء راقدة على الفراش في قميص نومها

بجوارى ...

07‏/06‏/2009

الفصل الثــالث



سرت فترة طويلة من الصمت ، حتى انتبهت الى اننى مازلت احمل الطفلة التى تململت بين يدي فأعدتها على الارض لتكمل اللهو بالعابها وكأن شيئا لم يكن
وجلست على الكرسي بدورى وانا اتطلع اليها صامتا ... فتنحنحت هند في حرج وهي تتمتم :

- ماذا تحب ان تشرب يا استاذ مدحت ؟

اجبتها في خفوت :

- اشكرك يا هند ، ولكنى لا ارغب في شئ

هزت رأسها نافية في قوة وهي تجيبنى :

- وهل هذا معقول ؟! .. بعد كل هذه السنين وتأتى الى منزلنا دون ان تنتاول شيئا في منزلنا ... سأعد لك قدحا من القهوة التى تحبها

ودون ان تنتظر الرد ... انصرفت مسرعة باتجاه المطبخ ، ودون ان اسألها عن سبب علمها بحبي الى اقداح القهوة ... ونظرت الى سقف الحجرة

لأسبح في بحر الذكريات ، وارتسمت شبح ابتسامة على شفتى وانا انزل ببصرى لأنظر الى الاريكة ... واسترجع ذكريات الماضى البعيد

عندما كنت اجلس هناك .. بقميصى الابيض الناصع ، وانا اقلب في صفحات الكتاب الذى كنت اقوم بشرحه لاسراء بحجة صعوبة المواد التى اشتكت منها دائما ، وكانت هذه هي النقطة لنجلس بجانب بعضنا البعض ، ونلتصق ... وانا اشرح لها الامر في سرعة خاطفة ... لنتهامس .... ونتبادل عبارات الحب ...

اتذكر ذلك اليوم جيدا ... عندما كانت تريدنى ان اراجع معها المراجعة النهائية لليلة الامتحان ... وفوجئت بها تأتى بكوب من عصير المانجو الذى اعشقه .... وتلتصق بي في شدة ، حتى سرت قشعريرة في جسدى لاجدها تميل الي حتى كادت شفتاها ان تلمس شفتاى وهي تخبرنى :

- لقد انتهيت فعلا من المراجعة ، ولكنى اشتقت اليك كثيرا

تململت في جلستى معترضا ولكنها وضعت يدها على فمى وهي تهمس في صوت رخيم :

- اردت ان اجدك بجوارى في تلك الليلة ... الجميع في الخارج لحضور فرح ابنة خالي محمد

وما ان وضعت شفتيها على عنقى ، حتى انهلت عليها بدورى بالقبلات على شفتيها وعنقها وانا اتحسس نهديها في نشوة وحب ... وفي حركة عصبية ... فتحت ازرار القميص لاشاهد النهدين المشدودين من فرط النشوة ... و

- استاذ مدحت

انتفض جسدى وانا اخرج من ذكرياتى لألتفت الى مصدر الصوت

لاجد هند تقف امامى ممسكة بالصينية ... وتنظر اليّ في حيرة

تململت في جلستى في حرج بعد انتشلتنى عند تلك النقطة وامسكت بقدح القهوة لارشف منه رشفة صغيرة واضعها على المائدة الرخامية التى امامى :

- ماذا عن اخبارك يا هند ... اخبريني

ابتسمت هند وهي تقول :

- لا شئ ، اننى في العام الاخير من الجامعة ، ادرس في علم الاثار واكمل دراستى في مجال الكمبيوتر

نظرت اليها متأملا ملامحها قليلا ثم سألتها :

- وماذا عن حياتك العاطفية

اتسعت عينا هند للحظات وهي غير مستوعبة للسؤال ، وشعرت بالحرج الشديد يعتريها فاطلقت ضحكة صافية لتلطف الموقف قليلا وانا اغمزها بعيني قائلا :

- لا تقلقى ، لن اخبر احد بالأمر ....

ابتسمت هند في خبث وهي تقول

- بالطبع لن تقدر ، بعد قصة الحب الطويلة التى كانت بينكم

ارتفع حاجباى في دهشة ، فلم اكن اتوقع انها كانت تدرى بذلك التاريخ الحافل

وذلك الحب الذى كان مضربا للامثال بين مراهقين الحارة .

وشهدت جدران البناية قصة العشق التى انتهت برفض اباها المريض ( بمرض عضال في الكلية ) بانه لا يقدر ان يتركها دون ان يطمئن عليها قبل وفاته خصوصا بعد رحيل والدتها :

- استاذ مدحت ، الى اين ذهبت

قالت هند تلك العبارة وهي تطلق ضحكتها المجلجلة في الردهة وهي تغمز بيعينها هي الأخرى قائلة :

- يبدو انك سافرت الى البعيد

ابتسمت وانا التقط قدح القهوة ، وارتجف الفنجال في يدي وانا احاول ان اهدئ من اعصابي وارتفع صوت جرس الباب بطريقة خاصة .... طريقة اسراء

فنهضت هند من مقعدها وهي تبتسم في خبث مجددا لتخبرنى

- لقد وصل الحب القديم

واسرعت تفتح الباب ... وقلبي يخفق في عنف ...


****



فتحت هند الباب ولم اجرؤ على الالتفات لاشاهد اسراء بعد ان سمعت صوتها ، وتجمدت في مكانى وانا احاول السيطرة على جسدى الذى بدأ في الارتعاش ...

ولم تخبرها هند بانى موجود . وشاهدت رأسي البارزة من الكرسي كما تصورت وسمعت صوتها وهي تخبر اختها في عتاب

- هل يوجد لدينا ضيوف

واستدارت حول المقعد واطلقت شهقة قوية وهي تضع يدها على صدرها ...

وتأملتها في صمت ، وخفقات قلبي تعلو وتعلو ... حتى اننى تخليت انها تستمع اليها فعلا

جاءت هند وهي تبتسم في خبث ماكر وهي تقول لأختها الكبرى

- نسيت ان اعرفك ... استاذ مدحت ... هذه اسراء يا استاذ مدحت

ساد الصمت ايضا بعد عبارتها .. فتنحنحت في حرج وانا اسألها

- كيف حالك يا اسراء

ارتفع حاجبا اسراء في تأثر وهي تمد يدها لمصافحتى فوضعت قدح القهوة في سرعة وانا اقف لامد يدي في سرعة لاصافحها

وتلامست اناملنا ... وسرت قشعريرة لذيذة في جسدى لثوان ، وتركت هي يدها في يده برفق ... وطال صمتنا ونحن ننظر الى بعضنا البعض

حتى تنحنحت هند من جديد وهي تقول في حرج

- سأترككم بمفردكم ، لدى العديد من الامور لانجزها قبل ذهابي الى الجامعة .

واسرعت تختفى داخل احدى الحجرات وهي تحمل الطفلة ، وظللنا كما نحن ، لم نلتفت الي هند ... ولا الى الصياح التى اطلقته الصغيرة وهي تصيح معترضة على اختطافها من وسط العابها

جلست اسراء على المقعد المجاور لي ، وجلست اتأملها طويلا حتى تخصب وجهها بحمرة الخجل ، فاسرعت اتمتم آسفا

- اعتذر

هزت رأسها نافية وهي تشير الى لأتناول باقي الكوب ... فجلست والافكار تعصف بي ... وجلست احدق بها

حتى سألتنى اسراء في صوت ناعم وخافت

- كيف حالك يا مدحت

تنهدت وانا اجيبها

- في خير حال ... المهم ماهى اخبارك

ترقرقت الدموع في عينها وهي تجيب
- انا بخير

عاد الصمت يلف المكان من جديد ، حتى هزت اسراء رأسها في قوة وكأنها تنفض افكارها لتسألنى

- مالذى أتى بك الى هنا اليوم

ابتسمت وانا اجيبها

- لا ادرى ، كان الامر في البداية عبارة عن مشاجرة بيني وبين منـــ ....

وبترت عبارتى فجأة وكأننى ان الوقت لا يناسب ذكر اسم زوجتى

فابتسمت اسراء وهي تجيبني في مرارة ملحوظة

- اعرف انك متزوج يا مدحت ، واعرف انك لم تستطع الانجاب لفترة طويلة من الزمن حتى زرقك الله بطفلك ساري

رفعت حاجبي الايمن وانا اسألها بسرعة

- كيف عرفت كل هذا

اطرقت اسراء برأسها قليلا ثم اجابت

- بعد انتهاء اجراءات الطلاق بيني وبين زوجى السابق ، عدت الى هنا لأمكث مع شقيقتى هند ، وكنت دائما ما ترسل في طلب بعض اوراقك القديمة من منزلك ، ولكن يكن عم حسن البواب يعرف اين هي اغراضك ، فكنت اجمع له ما هو مطلوب منه ، وكان دائما ما يبلغنى بأخبارك دون ان اسأل ، وكنت سعيدة بمعرفة ما يدور حولك

ثم صمتت قليلا ، وبدأت اشعر برعشة جسدها ، فترددت قليلا

ثم مددت يدي لأرفع وجهها لاشاهد دمعة ساخنة تسيل على خدها الايمن .. فأنقبض فؤادى وتمنيت ان اضمها الى صدرى كما كنت افعل فيما مضى ...

ولكنها نهضت فجأة وهي تمسح دمعتها في سرعة لتسألنى

- هل ستتناول الغذاء معنا ، اننى سوف أعد اليوم طبقك المفضل

اعترضتها في سرعة :

- كلا يا اسراء ، لن اقد...

قاطعتنى في حزم

- هذا امر ، اذهب لتسترح في شتقك قليلا وسوف ادق عليك الجرس عندما انتهى من طهى الطعام

وأسرعت الى الطاولة المقابلة لباب الشقة لتلتقط تلك الاكياس من على الطاولة وهي تصيح في لهجة مرحة :

- امازلت هناك ، هيا اذهب واتركنى لعملى الآن

وتركتنى بمفردى في ردهة المنزل كالمسحور ، ثم التقطت جهاز المحمول الخاص بي وتحركت الى باب شقتى

وما ان اغلقت الباب ... بدأ احساس من نوع آخر يغمرنى

ويكتنفنى

من رأسي ... وحتى اخمص قدمى

احساس غامر بالفرحة ...

والغريزة ...

03‏/06‏/2009

الفصل الثـاني





سرت فترة طويلة من الصمت ، وانزلت الطفلة على الارض ، فعادت تكمل اللهو بالعابها وجلست على الكرسي وانا اتطلع اليها صامتا ... فتنحنحت هند في حرج وهي تتمتم

- ماذا تحب ان تشرب يا استاذ مدحت

اجبتها في وهن :

- اشكرك يا هند ، ولكنى لا ارغب في شئ

هزت رأسها نافية في قوة وهي تجيبنى :

- وهل هذا معقول ؟! .. بعد كل هذه السنين وتأتى الى منزلنا دون ان تنتاول شيئا في منزلنا ... سأعد لك قدحا من القهوة التى تحبها

ودون ان تنتظر الرد ... انصرفت مسرعة باتجاه المطبخ ، ودون ان اسألها عن سبب علمها بحبي الى اقداح القهوة ... ونظرت الى سقف الحجرة

لأسبح في بحر الذكريات ، وارتسمت شبح ابتسامة على شفتى وانا انزل ببصرى لأنظر الى الاريكة ... واسترجع ذكريات الماضى البعيد

عندما كنت اجلس هناك .. بقميصى الابيض الناصع ، وانا اقلب في صفحات الكتاب الذى كنت اقوم بشرحه لاسراء بحجة صعوبة المواد التى اشتكت منها دائما ، وكانت هذه هي النقطة لنجلس بجانب بعضنا البعض ، ونلتصق ... وانا اشرح لها الامر في سرعة خاطفة ... لنتهامس .... ونتبادل عبارات الحب ...

اتذكر ذلك اليوم جيدا ... عندما كانت تريدنى ان اراجع معها المراجعة النهائية لليلة الامتحان ... وفوجئت بها تأتى بكوب من عصير المانجو الذى اعشقه .... وتلتصق بي في شدة ، حتى سرت قشعريرة في جسدى لاجدها تميل الي بدرجة ان شفتاها كادت ان تلمس شفتاى وهي تخبرنى :

- لقد انتهيت فعلا من المراجعة ، ولكنى اشتقت اليك

تململت في جلستى معترضا ولكنها وضعت يدها على فمى وهي تهمس في صوت رخيم :

- اردت ان اجدك بجوارى في تلك الليلة ... الجميع في الخارج لحضور فرح ابنة خالي محمد

وما ان وضعت شفتيها على عنقى ، حتى انهلت عليها بالقبلات على شفتيها وعنقها وانا اتحسس نهديها في نشوة وحب ... وفي حركة عصبية ... فتحت ازرار القميص لاشاهد النهدين المشدودين من فرط النشوة ... و

- استاذ مدحت

انتفض جسدى وانا اخرج من ذكرياتى لألتفت الى مصدر الصوت

لاجد هند تقف امامى ممسكة بالصينية ... وتنظر اليّ في حيرة

تململت في جلستى في حرج بعد انتشلتنى عند تلك النقطة وامسكت بقدح القهوة لارشف منه رشفة صغيرة واضعها على المائدة الرخامية التى امامى :

- ماذا عن اخبارك يا هند ... اخبريني

ابتسمت هند وهي تقول :

- لا شئ ، اننى في العام الاخير من الجامعة ، ادرس في علم الاثار واكمل دراستى في مجال الكمبيوتر

نظرت اليها متأملا ملامحها قليلا ثم سألتها :

- وماذا عن حياتك العاطفية

اتسعت عينا هند للحظات وهي غير مستوعبة للسؤال ، وشعرت بالحرج الشديد يعتريها فاطلقت ضحكة صافية لتلطف الموقف قليلا وانا اغمزها بعيني قائلا :

- لا تقلقى ، لن اخبر احد بالأمر ....

ابتسمت هند في خبث وهي تقول

- بالطبع لن تقدر ، بعد قصة الحب الطويلة التى كانت بينكم

ارتفع حاجباى في دهشة ، فلم اكن اتوقع انها كانت تدرى بذلك التاريخ الحافل

وذلك الحب الذى كان مضربا للامثال بين مراهقين الحارة .

وشهدت جدران البناية قصة العشق التى انتهت برفض اباها المريض ( بمرض عضال في الكلية ) بانه لا يقدر ان يتركها دون ان يطمئن عليها قبل وفاته خصوصا بعد رحيل والدتها :

- استاذ مدحت ، الى اين ذهبت

قالت هند تلك العبارة وهي تطلق ضحكتها المجلجلة في الردهة وهي تغمز بيعينها هي الأخرى قائلة :

- يبدو انك سافرت الى البعيد

ابتسمت وانا التقط قدح القهوة ، وارتجف الفنجال في يدي وانا احاول ان اهدئ من اعصابي وارتفع صوت جرس الباب بطريقة خاصة .... طريقة اسراء

فنهضت هند من مقعدها وهي تبتسم في خبث مجددا لتخبرنى

- لقد وصل الحب القديم

واسرعت تفتح الباب ... وقلبي يخفق في عنف ...

30‏/05‏/2009

الفصل الأول





في منزلى القديم ، ومع نسمات الفجر الأولى

خطوت على درجات البناية العتيقة

متحسسا ذلك الغبار على الباب وأدس المفتاح لأديره في بطء واقف لبرهة من الزمن اراقب فيها المكان ، ثم اتجهت إلي غرفتى المهجورة

بعد كل هذه الاعوام ...

والمدهش ان ذاكرتى مزدحمة بالذكريات بكل ركن وزواية من هذا البيت ... في كل ضحكة وبسمة داخل كل حجرة ...

وها أنا ذا .... جئت اليوم اطلب السكينة

بعد مشاحنة كبيرة بيني انا وزوجتى منال

اردت ان اعود الى ذاتى .... بعد طول فراق

توقفت في الردهة عدة دقائق ... اتأمل صورة ابي الراحل

واتذكر اخر كلماته التى ما زالت تدوى في اذنى

كان دائما ما يجدنى ولدا فاشلا

لم تشأ له الاقدار ان يرى ما مدى النجاح الذى قد وصلت اليه بعد ان وافته المنية

اعطيت ظهرى للوحة وجلست على الكرسي الخشبي المزين بالاصداف والاحجار اسفل الصورة
واطرقت برأسي مفكرا في احوالى ....

كم اصبحت تعيسا

حققت من النجاحات مالم يحققه احد

ولكنى كنت في منزلى من اتعس المخلوقات

لم يكن هناك توافقا بيني وبين زوجتى او اطفالى

لم اخرج من ثوب الرجل الشرقي

والجيمع يحترمنى ويهابنى

لكنى لست سعيدا ... فقد كنت احتل تلك الصورة

صورة أبي ...

حتى زوجتى كانت تعاشرنى على الفراش لترضيني فقط

كانت تخرج الاصوات التى احبها

دون ان اعرف مالذى يدور في خلدها

اطلقت زفرة حارة ...

ونهضت لأتوجه الى غرفتى مرة اخرى

ودون تفكير ... استلقيت على ارضية الحجرة

انظر الى اغراضى المبعثرة اسفل الفراش

ووقع بصرى على الصندوق

ابتسمت في فرحة وانا امد يدي لأخرجه في لهفة غير معروفة

وجلست اتأمل الصور ...

على مختلف المراحل الزمنية ...

واتذكر بعض المواقف واضحك ...

وادركت انى سأمكث كثيرا

فاخرجت محفظتى و هاتفى المحمول والقيتهم في اهمال على السرير وخلعت حذائى ، واسندت ظهرى على باب الحجرة وانا نصف مستلقى على الارض

واضع الصندوق على ركبتى واخرج محتوياته شيئا فشيئا

واستغرقنى الوقت كثيرا

لم اشعر بشئ

وبعد ان فرغت من الصور

ووقع بصرى على تلك العلبة الصغيرة ... المخملية

ابتسمت في حنان وانا اتذكر تلك الهدية

والتقطتها في عناية وانا انفث ذرات التراب من عليها واتحسسها في حنان

وافتحها لألقى النظرة على الخاتم الذهبي

الذى يرقد ساكنا متألقا ، كما تركته ... دون ان تظهر عليه علامات القدم

فقد كانت تلك هديتي الاولى والاخيرة

التى لم اقو على ارسالها الى صاحبتها

اسراء

صديقة عمرى ... وحبيبتى ... وصديقة المراهقة ...

وابتسمت عندما توقف تفكيري عند النقطة الاخيرة

وانا اتذكر المرة الاولى التى قابلتها بها... عند باب حجرتى وهي تقدم لي العصير

مازلت اتذكر ابتسامتها واحمرار وجنتيها ، وارتباكها وهي تركض متعثرة في كل شئ صادفها

واعترتنى رغبة عارمة في رؤيتها ... دون مقدمات

اسرعت اعيد كل شئ في مكانه الى الصندوق في عناية واغلقته في احكام ... ونهضت محاولا ازاحة الغبار الذى لصق على ملابسي

وفتحت باب المنزل لأطرق باب الشقة المقابلة ثلاث طرقات سريعة كما هي عادتى دائما ...

ووجدت فتاة صغيرة ... جميلة ... شقراء الشعر ... تحمل قطعة من الشوكولاتة وهي تقول لي في براءة

- من انت ؟

تطلعت اليها وتفحصت ملامحها في دقة وانا اجيبها ببطء

- انا استاذ مدحت يا صغيرتى ... هل يوجد احد هنا ؟

تركت الباب لتهرع الى الداخل تنادى والدتها ، والافكار تعصف برأسي في سرعة

فقد كان من المستحيل ان تكون هذه والدتها ، وظللت على وقفتى ، انتظر القادم المجهول ، وانعقد حاجباى في شدة حتى كادا ان يمتزجا سويا

وسمعت صوت اقدام انثوية خافتة ، وارتفعت دقات قلبي

حتى انفرج الباب وظهر من خلفه وجه ملائكى جميل ، شعرت للبرهة الأولى اننى اعرفه ... وحدقت هي الأخرى في ملامحى عدة ثوانى ، حتى تهللت اساريرها فجأة وهي تهتف في سعادة

- استاذ مدحت

وخطت خطوتان خارج الشقة وهي تصافحنى في حرارة وانا لا اعى ماذا اقول وانا اجهلها ... فشدت الفتاة على ساعدي وهي تشدنى قائلة في مرح وفرحة

- تفضل يا استاذ مدحت ، ألا تذكرنى ؟... انا هند

شهقت في دهشة وانا اتأملها وارتفع حاجباى المعقودان لأهتف بدورى

- هند ، معقولة ... لقد اصبحتى امرأة ناضجة

ضحكت هند في صوت صافي وهي تضع يدها على فمها وتجيبنى

- وهل يبقى كل شئ على حاله ، المهم كيف حالك واين كنت طوال هذه السنوات ، أتدرى ... لولا ان اختى اسراء تحتفظ بالبوم الصور الخاص بها ... لما تعرفتك

ابتسمت في رصانة بعد هذا الانفعال وانا احاول ان اتمالك نفسي بعد ان ذكرت هند اسم اسراء وانا اجيبها بالمقولة الشهيرة في هدوء

- الدنيا تلاهى ياهند

اومأت هند برأسها مقتنعة وهي تدعونى للجلوس في غرفة ( المسافرين ) وهي تنادى على طفلها بصوت عالى

- تعالى يا شوق لتلق التحية على استاذ مدحت

جاءت الصغيرة وهي تجر عروسها خلفها على الارض وترفع كفها عاليا وهي تطلع ضحكاتها الطفولية الجميلة ، فاخذتها بين احضانى لأرفعها عاليا واداعبها ... ثم التفت الي هند وانا اسألها

- هذه ابنتك بالتأكيد ... بارك الله فيها

ارتفع حاجبا هند في دهشة ، ثم انفجرت ضاحكة وهي تجيب
- اتمنى هذا ... ولكنها ابنة اختى اسراء

انتهى الجزء الاولى ....