07‏/06‏/2009

الفصل الثــالث



سرت فترة طويلة من الصمت ، حتى انتبهت الى اننى مازلت احمل الطفلة التى تململت بين يدي فأعدتها على الارض لتكمل اللهو بالعابها وكأن شيئا لم يكن
وجلست على الكرسي بدورى وانا اتطلع اليها صامتا ... فتنحنحت هند في حرج وهي تتمتم :

- ماذا تحب ان تشرب يا استاذ مدحت ؟

اجبتها في خفوت :

- اشكرك يا هند ، ولكنى لا ارغب في شئ

هزت رأسها نافية في قوة وهي تجيبنى :

- وهل هذا معقول ؟! .. بعد كل هذه السنين وتأتى الى منزلنا دون ان تنتاول شيئا في منزلنا ... سأعد لك قدحا من القهوة التى تحبها

ودون ان تنتظر الرد ... انصرفت مسرعة باتجاه المطبخ ، ودون ان اسألها عن سبب علمها بحبي الى اقداح القهوة ... ونظرت الى سقف الحجرة

لأسبح في بحر الذكريات ، وارتسمت شبح ابتسامة على شفتى وانا انزل ببصرى لأنظر الى الاريكة ... واسترجع ذكريات الماضى البعيد

عندما كنت اجلس هناك .. بقميصى الابيض الناصع ، وانا اقلب في صفحات الكتاب الذى كنت اقوم بشرحه لاسراء بحجة صعوبة المواد التى اشتكت منها دائما ، وكانت هذه هي النقطة لنجلس بجانب بعضنا البعض ، ونلتصق ... وانا اشرح لها الامر في سرعة خاطفة ... لنتهامس .... ونتبادل عبارات الحب ...

اتذكر ذلك اليوم جيدا ... عندما كانت تريدنى ان اراجع معها المراجعة النهائية لليلة الامتحان ... وفوجئت بها تأتى بكوب من عصير المانجو الذى اعشقه .... وتلتصق بي في شدة ، حتى سرت قشعريرة في جسدى لاجدها تميل الي حتى كادت شفتاها ان تلمس شفتاى وهي تخبرنى :

- لقد انتهيت فعلا من المراجعة ، ولكنى اشتقت اليك كثيرا

تململت في جلستى معترضا ولكنها وضعت يدها على فمى وهي تهمس في صوت رخيم :

- اردت ان اجدك بجوارى في تلك الليلة ... الجميع في الخارج لحضور فرح ابنة خالي محمد

وما ان وضعت شفتيها على عنقى ، حتى انهلت عليها بدورى بالقبلات على شفتيها وعنقها وانا اتحسس نهديها في نشوة وحب ... وفي حركة عصبية ... فتحت ازرار القميص لاشاهد النهدين المشدودين من فرط النشوة ... و

- استاذ مدحت

انتفض جسدى وانا اخرج من ذكرياتى لألتفت الى مصدر الصوت

لاجد هند تقف امامى ممسكة بالصينية ... وتنظر اليّ في حيرة

تململت في جلستى في حرج بعد انتشلتنى عند تلك النقطة وامسكت بقدح القهوة لارشف منه رشفة صغيرة واضعها على المائدة الرخامية التى امامى :

- ماذا عن اخبارك يا هند ... اخبريني

ابتسمت هند وهي تقول :

- لا شئ ، اننى في العام الاخير من الجامعة ، ادرس في علم الاثار واكمل دراستى في مجال الكمبيوتر

نظرت اليها متأملا ملامحها قليلا ثم سألتها :

- وماذا عن حياتك العاطفية

اتسعت عينا هند للحظات وهي غير مستوعبة للسؤال ، وشعرت بالحرج الشديد يعتريها فاطلقت ضحكة صافية لتلطف الموقف قليلا وانا اغمزها بعيني قائلا :

- لا تقلقى ، لن اخبر احد بالأمر ....

ابتسمت هند في خبث وهي تقول

- بالطبع لن تقدر ، بعد قصة الحب الطويلة التى كانت بينكم

ارتفع حاجباى في دهشة ، فلم اكن اتوقع انها كانت تدرى بذلك التاريخ الحافل

وذلك الحب الذى كان مضربا للامثال بين مراهقين الحارة .

وشهدت جدران البناية قصة العشق التى انتهت برفض اباها المريض ( بمرض عضال في الكلية ) بانه لا يقدر ان يتركها دون ان يطمئن عليها قبل وفاته خصوصا بعد رحيل والدتها :

- استاذ مدحت ، الى اين ذهبت

قالت هند تلك العبارة وهي تطلق ضحكتها المجلجلة في الردهة وهي تغمز بيعينها هي الأخرى قائلة :

- يبدو انك سافرت الى البعيد

ابتسمت وانا التقط قدح القهوة ، وارتجف الفنجال في يدي وانا احاول ان اهدئ من اعصابي وارتفع صوت جرس الباب بطريقة خاصة .... طريقة اسراء

فنهضت هند من مقعدها وهي تبتسم في خبث مجددا لتخبرنى

- لقد وصل الحب القديم

واسرعت تفتح الباب ... وقلبي يخفق في عنف ...


****



فتحت هند الباب ولم اجرؤ على الالتفات لاشاهد اسراء بعد ان سمعت صوتها ، وتجمدت في مكانى وانا احاول السيطرة على جسدى الذى بدأ في الارتعاش ...

ولم تخبرها هند بانى موجود . وشاهدت رأسي البارزة من الكرسي كما تصورت وسمعت صوتها وهي تخبر اختها في عتاب

- هل يوجد لدينا ضيوف

واستدارت حول المقعد واطلقت شهقة قوية وهي تضع يدها على صدرها ...

وتأملتها في صمت ، وخفقات قلبي تعلو وتعلو ... حتى اننى تخليت انها تستمع اليها فعلا

جاءت هند وهي تبتسم في خبث ماكر وهي تقول لأختها الكبرى

- نسيت ان اعرفك ... استاذ مدحت ... هذه اسراء يا استاذ مدحت

ساد الصمت ايضا بعد عبارتها .. فتنحنحت في حرج وانا اسألها

- كيف حالك يا اسراء

ارتفع حاجبا اسراء في تأثر وهي تمد يدها لمصافحتى فوضعت قدح القهوة في سرعة وانا اقف لامد يدي في سرعة لاصافحها

وتلامست اناملنا ... وسرت قشعريرة لذيذة في جسدى لثوان ، وتركت هي يدها في يده برفق ... وطال صمتنا ونحن ننظر الى بعضنا البعض

حتى تنحنحت هند من جديد وهي تقول في حرج

- سأترككم بمفردكم ، لدى العديد من الامور لانجزها قبل ذهابي الى الجامعة .

واسرعت تختفى داخل احدى الحجرات وهي تحمل الطفلة ، وظللنا كما نحن ، لم نلتفت الي هند ... ولا الى الصياح التى اطلقته الصغيرة وهي تصيح معترضة على اختطافها من وسط العابها

جلست اسراء على المقعد المجاور لي ، وجلست اتأملها طويلا حتى تخصب وجهها بحمرة الخجل ، فاسرعت اتمتم آسفا

- اعتذر

هزت رأسها نافية وهي تشير الى لأتناول باقي الكوب ... فجلست والافكار تعصف بي ... وجلست احدق بها

حتى سألتنى اسراء في صوت ناعم وخافت

- كيف حالك يا مدحت

تنهدت وانا اجيبها

- في خير حال ... المهم ماهى اخبارك

ترقرقت الدموع في عينها وهي تجيب
- انا بخير

عاد الصمت يلف المكان من جديد ، حتى هزت اسراء رأسها في قوة وكأنها تنفض افكارها لتسألنى

- مالذى أتى بك الى هنا اليوم

ابتسمت وانا اجيبها

- لا ادرى ، كان الامر في البداية عبارة عن مشاجرة بيني وبين منـــ ....

وبترت عبارتى فجأة وكأننى ان الوقت لا يناسب ذكر اسم زوجتى

فابتسمت اسراء وهي تجيبني في مرارة ملحوظة

- اعرف انك متزوج يا مدحت ، واعرف انك لم تستطع الانجاب لفترة طويلة من الزمن حتى زرقك الله بطفلك ساري

رفعت حاجبي الايمن وانا اسألها بسرعة

- كيف عرفت كل هذا

اطرقت اسراء برأسها قليلا ثم اجابت

- بعد انتهاء اجراءات الطلاق بيني وبين زوجى السابق ، عدت الى هنا لأمكث مع شقيقتى هند ، وكنت دائما ما ترسل في طلب بعض اوراقك القديمة من منزلك ، ولكن يكن عم حسن البواب يعرف اين هي اغراضك ، فكنت اجمع له ما هو مطلوب منه ، وكان دائما ما يبلغنى بأخبارك دون ان اسأل ، وكنت سعيدة بمعرفة ما يدور حولك

ثم صمتت قليلا ، وبدأت اشعر برعشة جسدها ، فترددت قليلا

ثم مددت يدي لأرفع وجهها لاشاهد دمعة ساخنة تسيل على خدها الايمن .. فأنقبض فؤادى وتمنيت ان اضمها الى صدرى كما كنت افعل فيما مضى ...

ولكنها نهضت فجأة وهي تمسح دمعتها في سرعة لتسألنى

- هل ستتناول الغذاء معنا ، اننى سوف أعد اليوم طبقك المفضل

اعترضتها في سرعة :

- كلا يا اسراء ، لن اقد...

قاطعتنى في حزم

- هذا امر ، اذهب لتسترح في شتقك قليلا وسوف ادق عليك الجرس عندما انتهى من طهى الطعام

وأسرعت الى الطاولة المقابلة لباب الشقة لتلتقط تلك الاكياس من على الطاولة وهي تصيح في لهجة مرحة :

- امازلت هناك ، هيا اذهب واتركنى لعملى الآن

وتركتنى بمفردى في ردهة المنزل كالمسحور ، ثم التقطت جهاز المحمول الخاص بي وتحركت الى باب شقتى

وما ان اغلقت الباب ... بدأ احساس من نوع آخر يغمرنى

ويكتنفنى

من رأسي ... وحتى اخمص قدمى

احساس غامر بالفرحة ...

والغريزة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق