12‏/06‏/2009

الفصـل الــرابع





توقفت لدقائق في الردهة وانا اتأملها في صمت

ثم اسرعت الي غرفتى لاخرج منها احدى ملابسي القديمة وانا اتأملها ضاحكا ، ثم انتقيت جلبابا فضفاضا ... وخرجت من الغرفة الى حمام المنزل العتيق ، ومددت يدي لأوقد النور ... وأدخل سريعا تحت رذاذ الماء الفاتر وانا ادندن بأحدى الاغانى التى اعشقها للمطرب الراحل ( عبد الوهاب )

وشعرت مع الوقت كأنى ازيل كل الشظايا من حياتى وانا اقف تحت الماء ، حتى فرغت تماما وانا امسك بالروب الابيض القطنى وارتديته واتأمل جسدى في المرآة ضاحكا في استنكار

فقد بدا قصيرا وصغيرا على شكل مضحك وخرجت الى غرفتى لأرتدى ملابسي في سرعة

وانظر الى المرآة متأملا وجهى وشعرى المبلل

ولسبب ما ، بدأت اتأمل الشعيرات البيضاء التى بدت مبعثرة على فودي طويلا ... وبدأت تصفيف شعرى في عناية

واستدرت الى مكتبتى الضئيلة بعد ان فرغت معظم محتوياتها التى قمت بنقلها الى منزلى

والتقطت احد قصص الخيال العلمى المحببة الى نفسي ، وجلست اقرأها في حماس غريب

حتى دق جرس الباب

فاعتدلت في حدة ، وانا انظر الى القصة والى الباب في حيرة ، ثم القيت بالرواية على الفراش لأنهض متجها الى باب الشقة فتعثرت باحدى الكراسي بشكل غريب وسقط على الأرض متعثرا في ضجيج عالى .

وتوقف جرس الباب للحظة ، وسمعت طرقات اسراء على الباب وهي تصرخ

- مدحت ، هل انت بخير

اجبتها في صوت عالى وانا احاول النهوض من سقطتى

- اجل انا بخير ، لقد تعثرت في الكرسي اللعين

وترنحت من فرط الالم وانا اذهب الى الباب لأفتحه واشاهد وجه اسراء يظهر من خلف الباب وهي تهتف في قلق

- هل انت بخير

اشرت الى الكرسي في غيظ وانا اتمتم بكلمات لم افهمها

فابتسمت في حنان وهي تضع يدي على كتفها وتسير بي نحو اقرب كرسي صادفها لتجلسنى في رفق وانا اتأملها ، وجلست الى جوارى

وشعرت بعطرها يلفحنى في حرارة وهي تقول في خفوت

- هل تريد الذهاب الى الطبيب

ضحكت وانا اشير لها ان الامر لا يستدعى حضور الطبيب

مدت يدها تتحسس خذى وهي تهمس

- هل احضر الطعام الي هنا

نظرت اليها طويلا وانا اتأمل عينيها السوداوتين في حب واضح ثم اجبتها في صوت غير مسموع

- المكان هنا غير مناسب

اومأت برأسها ونهضت وهي تمد يدها الي ، ولكنى اعترضت في حرج وقد أبت رجولتى ان استند عليها للذهاب الى شقتها ، ونهضت وانا اخفى الألم واشاهدها تتأملنى في دقة ثم اجابت في بساطة

- هيا بنا اذن .

ودخلت الى شقتها في سرعة واغلق انا باب شقتى ودخلت الى الشقة وانا اغلق الباب في توتر لأجلس على مائدة الطعام في نهاية الردهة لأتأمل جميع الاصناف وانا اتسائل كيف استطاعت ان تحضرها في هذا الوقت القصير ، حتى سمعت صوت اقدامها وهي تضع طبق الحساء المفضل لدي ... وتجلس الى جوارى

فتململت في مقعدى وانا اتسائل

- ألن تشاركنا شقيقتك الطعام

هزت رأسها نافية وهي تجيب

- لقد غادرت مسرعة للحاق باصدقائها ، لتسليم احد ابحاثها اليوم

تسائلت مجددا

- وابنتك

نظرت اليّ اسراء للحظات ثم اطلقت ضحكة طويلة

- انها نائمة يا مدحت

ابتسمت في حرج وكأني طالب بليد وبدأت في تناول الطعام ، وكانت اسراء تصر اثناء تناولى الطعام ان تطعمنى بيدها بين الفينة والفينة ... حتى انتهيت وهي تصر ان تطعمنى بيدها بقطعة من الدجاج المحمر ، فالتقطها بفمى وانا انهض بسرعة لأدخل الى الحمام واغسل يدي ... وذهنى يعمل في سرعة لأقرر ماذا سأفعل بعد قليل ... وقد بدأت اشعر بضرورة مغادرتى لهذا المنزل واغلقت الصنبور في عصبية وانا ابحث عن شئ لأنشف يداي

فخرجت بخطوات سريعة وانا اهم بمناداة اسراء ، وإذا بي أجدها تقف امامى مباشرة وهي تحمل منشفة بيضاء ... مزينة بوردة حمراء وهي تبتسم

تأملت المنشفة في صمت وانا اقترب منها لأتناولها وامسح يدي في بطء ...

فقد كانت تلك المنشفة ، من صنع يدها ، منذ ان كنا سويا ... منذ زمن بعيد

ثم زفرت في قوة وانا القى المنشفة على الكرسي المجاور لي وانا التفت الى اسراء وارفع ذراعى تجاهها قائلا

- اسراء ... لكم اشتقت اليك

ودون مقدمات ... التقطها بين ذراعى ... واحسست بدفئها وانا اتحسس شعرها الناعم

وانحنيت على شفتيها الرطبتين لأطبع قبلة طويلة ، حملت كل ما اخفيه من حب واشتياق ,,, ولوعة

لتعلو فجأة صوت شهقة مفزعة

وانتفقض جسدى ، وابتعدت اسراء عنى في عنف وانا التفت الى مصدر الصوت

لاجد شقيقتها الصغرى تقف امامنا جاحظة العينين

ليشتعل الموقف ...

وبشدة ...

*************************

تجمد الموقف لعدة دقائق وهند تنقل بصرها بيني وبين اختها الكبرى اسراء ، ثم تركتنا واندفعت مسرعة الى غرفتها وتساقطت بضعة الاوراق من حقيبتها

والتقت نظراتنا في صمت ، ثم همست في حزن منكسر

- اعتذر يا اسر ...

قاطعتنى في هدوء وهي تضع اناملها على شفتي قائلة

- لا تعتذر ، نحن لم نقم بشيئ يستحق الاعتذار

انعقد حاجباى وانا اتأملها في تأنِ ، ثم تحركت في خطوات مرتبكة الى المائدة لألتقط سلسلة مفاتيحي الخاصة مع هاتفى المحمول وانا اتجه الى باب المنزل

فهتفت بي قائلة :

- هل ستغادرنا الليلة

وقفت في مكانى قليلا ثم التفت اليها لأشاهد قسمات الحزن التى بدأت ترتسم على وجهها الجميل

ثم ابتسمت واجبتها بسرعة

- كلا ، لقد تركت المنزل أثر شجار نشب بيني وبين زوجتى

ابتسمت اسراء ... وابتسمت لابتسامتها ...

وغادرت المكان في سرعة ، ودخلت الى شقتى

وخلعت القميص والقيته في اهمال على الكرسي المقلوب أثر تعثرى به ، ودخلت الى حجرتى والقيت بجسدى على الفراش وانا احدق في السقف في صمت .... وذهول

فقد كان عقلى منهكا بعد رؤية هند وهي تشاهدنى وانا أقبل اختها الكبيرة ، وتذكرت كلمات اختها

اننا بالفعل لم نفعل شئ يستحق الاعتذار ، بعد كل هذه السنين ...

بعد كل هذا الفراق ، بسبب تعنت الآباء ، تركونا نتعثر في دروب الظلام ، بكل قسوتها وهم يظنون انهم يقوموا بدورهم لحمايتنا

والدى مارس سلطانه وقسوته علي ، وعلى زواجى ... ورحل تاركا اياي منغمسا في نجاحات وهمية لا اعرف لها طعما ولا رائحة

ووالد اسراء الذى رفضنى لضعف حالى عندما تقدمت اليها حينذاك وهو يصر انه لن يتركنى اتزوجها قبل ان اجهز شقة فاخرة بأسمها في احد احياء القاهرة الراقية ، فهو لم يتبقى له من العمر الكثير ، ويجب ان يطمئن على ابنته البكر ....

وافترقنا عن بعضنا ، وانجبنا الاطفال ...

ولكن لم انسى يوما ما همساتها ... وحضنها الدافئ

لم اضاجع زوجتى يوما دون ان اتذكرها ، وربما لم اشعر بالسعادة سوى عندما اتخيل اننى في احضان اسراء ... وليست زوجتى ، حتى اتغاضى عن ذلك التمثيل الردئ التى تقوم به زوجتى على الفراش

زفرت في ضيق شديد ... وفي دهشة تحسست الدمعة التى ذرفتها عيني اليسرى في صمت ، وتأملت اصابعى ثم مسحتها في اقمشة الوسادة وانا اغمض عيني ... واغط في نوم عميق ... لم اشعر به منذ سنوات

وبدأت الاحلام الوردية تزورنى ... حتى شعرت بالقلق على صوت اذان الفجر الذى شق سكون الليل ... ففتحت عيناى في كسل

وانا اتحسس جسد زوجتى وعدت اغمض عيناي

وفجأة

قفزت من الفراش وانا اضئ المصباح

لأقف وانا ارتعش في وسط الحجرة

فقد كانت اسراء راقدة على الفراش في قميص نومها

بجوارى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق