27‏/06‏/2009

الفصل الثـــامن



استيقظت على صوت المنبه في الصباح الباكر، ومددت يدي في كسل جميل وأنا أكتم صوته المزعج وتثاءبت في بطء وأنا أتأمل زوجتي وهي تنام بجواري ووجها مضيء مثل الملائكة بعد ليلة حب طويلة لم نعشها سويا منذ زمن ...

ابتسمت وأنا أداعب وجنتيها بأناملي، واستيقظت هي وابتسمت في وجهي، وطبعت قبلة سريعة على شفتيها لأخبرها

- ألن توقظي صغيرتنا لكي تذهب إلى المدرسة

أومأت برأسها وهي تتمتم بكلمات لم أفهمها ولكني غادرت الفراش وشرعت في تبديل ملابسي بسرعة وأخرج مسرعا إلى حجرة المكتب لأجهز بعض الأوراق التى يتوجب علي مراجعتها بعد اجتماع البارحة، والتقطت بعض الأوراق وأضعها في الحقيبة في سرعة، وعندما خرجت وجدت زوجتى تضع قدح الشاي المعطر برائحة النعناع وهى تقول لي

- إلى أين، ألن تتناول هذا الكوب ... لقد جهزته من أجلك خصيصا
وقفت أتأملها من جديد، وبدأت أشعر بقلبي وهو ينبض من جديد من أجلها ، وابتسمت وأنا أسألها

- هل استيقظت غادة؟
أجابني صوتها الطفولى وهي تركض من خلفي

- أنا هنا يا أبي

استدرت إليها وأنا أجدها تقف بجانب الباب وهي تفرك يديها بتلك الطريقة التى تعنى أنها تريد أن تطلب شيئا

فاطلقت ضحكة صافية وأنا أتناول القدح وأترك الحقيبة على الطاولة وأتوجه إلى الصغيرة قائلا

- مالذى دهى أميرة قلبي، ماذا تريدين

خفضت الصغيرة رأسها في حرج وهي تقول

- أريدك أن تقلني إلى المدرسة
ابتسمت وأنا أسألها

- ولماذا؟
أجابتني في فخر

- حتى يرى أصدقائي سيارتك

ضحكت منال في صوت عال ٍ وهي تقول

- يبدو أن ابنتك قد أخذت أول صفاتك، الاهتمام بالمظاهر

تأملت الصغيرة وأنا أتحسس شعرها ثم هتفت

- سأوصلك يا غادة إلى المدرسة
قفزت الصغيرة في فرحة وهي تقول لأمها

- هل ترين يا أمي، لقد كسبت ... أبي سيوصلنى الى المدرسة
ارتشفت رشفة كبيرة من قدح الشاي وأنا أشير لها أنني أهم بالانصراف

فلحقت بي منال وهي تقول

- سوف أقوم بالاتصالات مع باقى الأصدقاء لأدعوهم إلى حفل زواجنا
فتحت باب الشقة وأنا ألتفت إليها لأتأملها من جديد، لأبتسم مجددا وأنا أجيبها

- عيد زواج سعيد يا منال
وغادرت المنزل

إلى يوم جديد ... وأحداث جديدة من أهداب الخيانة


أوصلت غادة إلى مدرستها ... وتعمدت أن أقف بالسيارة أمام باب المدرسة لأترك الفرصة حتى تذهب إلى أصدقائها وتشير إلى السيارة لتريهم أنها سيارتي، وأحسست بالفخر من أجلها ومن أجلي ثم انطلقت إلى العمل ...

واستغرقت به حتى النخاع في مراجعة الأوراق والخطط وتدوين الملاحظات حتى دق جرس الهاتف الداخلي، فالتقط السماعة في ضجر وأنا أهتف

- ما الأمر يا سارة، لقد أخبرتك أنني لا أريد أي مقاطعة
أجابت السكرتيرة في ارتباك

- إنها مكالمة من فتاة تدعى إسراء ولقد أصرت على الاتصال بك
تذكرت فجأة أننى قد أغلقت جهازي المحمول كعادتي قبل الانهماك في عملي فأجبتها في توتر

- حسنا، مرري المكالمة
وكانت الدهشة تغمرنى فقد نسيت أمر إسراء تماما، وكأنها لم تكن في حياتى البارحة، وهل هذا يعنى أنها كانت نزوة فقط أم ماذا؟

أخذتني الأفكار حتى تدفق صوت إسراء بما يحمله من توتر في سماعة الهاتف

- مدحت، أين أنت؟ ألن تكف عن هذا العبث؟
أجبتها في هدوء وأنا أبتسم

- اهدئي يا إسراء حتى نستطيع أن نتحدث
أجابتني في حدة مباغته
- لماذا أغلقت جهازك؟
بدأ الضجر يدب في صوتى وأنا أجيبها
- إننى في العمل ولا أحب المقاطعة دون أمر مهم
قاطعتني في ثورة
- وهل أنا لست أمرا مهما بالنسبة لك
أجبتها في انزعاج
- ماذا هناك يا إسراء .. اهدئى قليلا
ساد الصمت قليلا ثم قالت لي
- أريدك أن تأتى حالا
هززت رأسي وأنا أجيبها
- لن أستطيع أن أغادر المكتب في الوقت الحا ...
قاطعتنى إسراء في برود
- لقد اتصلت بي زوجتك يا مدحت ...
وأغلقت الخط ...


لا ادرى كيف استطعت الانتظار حتى جاء وقت الانصراف من العمل، وانطلق غير مبال بالموظفين وهم يحدقون في وأنا أركض بين أروقة الطابق الذي أعمل فيه، وقفزت إلى المصعد بحركة لم أكن أتصور أنني قادر عليها وتعلقت عيناى بأرقام المصعد حتى انفتح باب المصعد وانطلقت إلى سيارتي بكل ما أحمله من طاقة في قدمي وقفزت نحوها غير مبال بالعامل البسيط الذى يقوم بترتيب السيارات أمام المبنى، وأدرت المحرك وانطلقت بالسيارة في حدة فأطلقت إطاراتها صريرا مزعجا وأنا أجرى كالمجنون بين طرقات القاهرة المزدحمة، وفي أقل من أربع عشرة دقيقة كنت أقف أمام باب إسراء وأنا أطرقه في إزعاج كامل وأنا أحاول التقاط أنفاسي في صعوبة.
وما هي إلا عدة ثوان وفتحت أختها الصغيرة هند الباب وقد بدا على قسماتها أقصى انطباعات الانزعاج والخوف والقلق، ولكن ما إن وقع بصرها علي حتى هتفت في دهشة
- أستاذ مدحت ، ماذا جرى ؟

لم أجبها مباشرة وأنا أندفع إلى داخل المكان وأتلفت حولي باحثا عن إسراء ولكن ما إن وقع بصري على شروق وهي تقف في ركن الردهة تحتضن دميتها في قوة وهي تنظر إلي في رهبة حتى تجمدت في مكانى والتفت إلى هند لأسألها وأنا أحاول أن أتمالك أعصابي ليبدو على الهدوء

- أين إسراء يا هند؟
هزت هند كتفيها في حيرة وهي تجيبنى
- إنها في العمل، لقد استدعوها اليوم لتقوم بالترتيب للحفلة

اختلط علي الأمر لدقائق ثم هززت رأسي وبدأت الأفكار تتصارع من جديد في عقلى المنهك من التوتر والتفكير ثم سألتها في حدة

- أية حفلة، ما هذا الهراء، ولماذا أغلقت هاتفها؟
انفجرت الصغيرة باكية من حدة صوتي ، وألقت علي هند نظرة مزدرئة وهي تتحرك مسرعة نحو شروق وتحملها في حنان، فدفنت الصغيرة رأسها في صدر خالتها وهي تبكى في صوت خافت، فهتفت هند في انزعاج

- استاذ مدحت ، اسمح لي أن أخبرك أنك قد تعديت كل أصول اللياقة والأدب هنا
تراجعت خطوتين إلى الخلف وأنا أشعر بالحرج الحقيقي لتصرفاتى أمام الطفلة التى لم تتحمل انفعالي، فخفضت رأسي وأنا أتمتم في خجل
- أعتذر يا هند، ولكن أختك تدفعني للجنون بحق
جلست هند على المقعد المجاور لها وهي تحمل الطفلة بعد أن توقفت عن البكاء وهي ترمقنى بنظرات مستريبة وساد الصمت المكان لدقيقتين، حتى أضاء مصباح ما إحدى الجوانب المظلمة في عقلى

فاندفعت نحو هند وأنا اسألها كالمجنون

- هند، من هو زوج إسراء، لمن هذه الطفلة

حدقت هند في وجهى لثانية ثم أجابت

- إنها طفلة اسراء و ...

قاطعتها في حدة
- ومن يا هند .. طفلة من هذه
أجابتني في حدة
- ابنة حسن الصواف

وهنا فقط .. تخاذلت قدماي ... وسقط على الكرسي المقابل لهند وأنا أحدق في وجه الطفلة

فقد كانت ابنة خطيب زوجتى .... السابق ...
وعدوي اللدود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق