23‏/06‏/2009

الفصل السادس والسابع



انقضى الاجتماع بدون أن اشعر بالوقت، وقمت بمراجعة الأوراق والمفكرة الخاصة التى دونت عليها أهم ملاحظات الاجتماع، وغادرت الغرفة متجها إلى مكتبي، وما إن رأتنى السكرتيرة الخاصة حتى قفزت من مكتبها وهي تعطيني البريد الخاص بي وهي تخبرنى أن زوجتى قد اتصلت ثلاث مرات وهي تطلب الاتصال بها للضرورة

نظرت إليها دون إجابة، وأومأت برأسي لأدخل إلى مكتبي وأغلق الباب وأنا ألقى بالحقيبة على الأريكة المواجهة للمكتب، ثم التففت حول المكتب لأجلس خلفه وأنا أسند ذقنى بيدي محدقا بالهاتف ...


وغرقت في بحر الأفكار ...

فقد كانت الأحداث تتوالى في سرعة لم أعهدها في حياتى الرتيبة، ولم يسبق لى أن شعرت بكل هذا النشاط
.. بعد تلك الليلة التى أمضيتها مع إسراء ...

واليوم، تبلغني السكرتيرة بأن زوجتى قد اتصلت بي ثلاث مرات متتالية، وتعد هذه السابقة الأولى منذ أول يوم في زواجنا

لم ألبث سوى أن التقط نفسا عميقا، وأطلقه في تنهيدة حارة وقوية، ثم ألتقط سماعة الهاتف لأتصل بأرقام منزلى في سرعة، واستمعت إلى صوت الهاتف الرتيب من الجهة المقابلة حتى أجابت منال قائلة

- الوو

أجبتها في سرعة
- إنه أنا يا منال ... مدحت ، مالأمر

هتفت في سرعة
- مدحت ، أين كنت ... لقد اتصلت بك ثلاث مرا ....

قاطعتها في ضجر بعد أن عرفت من صوتها أنه لا شيء يدعو للقلق
- هل كل شئ على ما يرام؟

أجابنى الصمت لفترة طويلة حتى قالت في نبرة من الرجاء
- هل ستعود إلى المنزل اليوم؟

تسرب القلق إلى أعماقى، فقد كانت المرة الأولى بحق التى أجد فيها زوجتى ناعمة ومنكسرة بهذه الطريقة

ولكنى أجبتها في النهاية بصوت متحشرج
- بالتأكيد

أجابتنى بصوت أكثر همسا
- سأنتظرك

وأغلقت الخط، وظللت متسمرا وأنا أسمع صوت الهاتف بعد إغلاق الخط، ثم أغلق الخط أنا الآخر، وأنا أشعر بأن الأيام القادمة ستحمل الكثير .... والكثير جدا

وقد كنت على حق




دقت الساعة السادسة مساء وأنا أتوقف أمام منزلي ومازالت الفكرة تسيطر علي منذ مكالمتى مع زوجتي منال

لكنى نفضت كافة الافكار وأخرجت الهاتف المحمول لأتصل برقم إسراء بعد أن حفظتها باسم رجل حتى أتجنب أصابع زوجتي التى تبحث في كل مكان كما أتصور ... بدأ قلبي في الخفقان عندما سمعت تلك الأغنية من على الجانب الاخر حتى جاء صوتها الحالم

- مدحت
- يا حبيب مدحت ، كيف حالك ؟
- أنا بخير، ماذا عنك؟
- أوحشتِني
- أنت أيضا

ساد الصمت قليلا، حتى هتفت إسراء في لهفة
- متى سأراك ؟

صمت قليلا وأنا أتطلع إلى البناية ثم أجبت
- قريبا يا إسراء، قريبا جدا

وأغلقت سماعة الهاتف وأنا أقفز من السيارة في حزم وقد اتخذت قرارى الحازم، وأسرعت الخطى إلى شقتي ... في الدور الرابع، لأبدأ الفصل الجديد من حياتى الزوجية ...

وأهداب الخيانة



طرقت الباب عدة طرقات متتالية دون أن أستخدم مفتاحي الخاص وسمعت صوت أقدام ابنتي وهي تقترب في سرعة من الباب فارتسمت ابتسامة تلقائية وسريعة وأنا أشاهد وجهها الجميل الذي ظهر من خلف الباب وهي تتقافز في طفولة وبراءة جميلة وهى تهتف باسمى، والتقطتها بين يدي ورفعتها عاليا لتتعالى معها ضحكاتها الصافية وفي دورة كاملة ضحكت معها كالطفل الصغير وقد نسيت كل ما مررت به ثم أنزلتها على الأرضية وأنا أطبع على رأسها قبلة حنونة...

وسمعت صوت زوجتي يأتي من خلفي

- حمد لله على سلامتك

التفت إليها في سرعة وتفحصتها في سرعة وأنا أكتم دهشتي، فقد كانت مختلفة...

في كل شيء ...

في ثوبها الأنيق وزينتها على غير العادة ... وحتى لهجتها ... ونظراتها المشتاقة ...

وكمعالجة سريعة للموقف ... ارتسمت على شفتي ابتسامة سريعة وأنا أضع سلسلة المفاتيح وجهازي الخليوى على المنضدة كالمعتاد ... وتعمدت عدم الاقتراب منها وأنا اخبرها أنى في حاجة إلى حمام ساخن، فأومأت برأسها متفهمة وهي تجيبني في همس عجيب

- لقد سبق وحضرته من أجلك

توقفت وأنا في طريقي إلى الحمام والتفت إليها أتأملها من جديد، محاولا فهم كل هذه المعطيات الجديدة دون جدوى، حتى تمتمت في سرعة واقتضاب:

- شكرا

ثم دخلت في خطوات سريعة أشبه إلى القفز باتجاه الحمام وأغلقته لأدور ببصري في المكان، وأراقب الشموع الجديدة بجانب المغطس وهززت كتفى وأنا أطلق كل توترى في زفرة طويلة ... حتى أتجرد من ملابسي ... وأستلقي في هدوء لأعيد ترتيب أوراقى في روية ... وحذر ... ورغبة ...


وخلال ساعة كاملة .. بدأت أتمالك أعصابي، وقد قررت أن أستمر في حياتى كما هي .. من أجل صغيرتي ... ومن أجل منزلي ... حتى لا تعانى من الصراع الذى طالما عانيت منه في حياتى، وخصوصا أننى قد وجدت حبي الأول ... ومتنفسي خارج البيت ..
وابتسمت في المرآة عندما وصل تفكيري عند تلك النقطة، ومشطت شعري في عناية ...
وخرجت وأنا أهتف باسم زوجتي
ووجدتها تتحدث في الهاتف، وقد اعتراها الانفعال عندما وجدتنى أمامها وأنهت المكالمة في سرعة وهي تجيب

- أجل يا حبيبي

دب الشك في عقلى فجأة وأنا أهتف في حدة غاضبة

- ماذا هناك، ومع من كنت تتحدثين ولا تريديني أن أعلم؟

قفزت منال من الكرسي وهي تجيب في سرعة لا تخلو من التوتر

- لاشئ يا مدحت، لقد جهزت لك الطعام.

وتحركت بسرعة باتجاه المطبخ، لكنى أمسكت بمعصمها في قسوة وأنا اجذبها نحوى وانا أحدق مباشرة في عينها صائحا

- تعالي إلى هنا وأجيبيني، مع من كنت تتحدثين؟

تأوهت منال في ألم وهي تقول

- مدحت، ماذا جرى لك ؟ أنت تؤلمني

تركت معصمها في حركة مباغته فأمسكت به وهي تحدق بي ثم ترقرقت الدموع في مقلتيها وهي تجيبنى في صوت متهدج

- إننى كنت أفضل أن تصبح مفاجأة سعيدة من أجلك يا مدحت، إنه عيد زواجنا وقد أردت أن أعد الحفلة من دون معرفتك كاعتذار لما سبق

وانهمرت دموعها وهي تغادر الردهة لتتركنى واقفا أحدق في مكانها الذى كانت تقف فيه .... كالأبله.



إنسدل الليل بأستاره السوداء، لأجلس في شرفة المنزل أرتشف قدح القهوة الذي اعتدت عليه في هدوء وأنا استمتع بنسمات الهواء لأتطلع إلى النجوم في استمتاع وكأنى أراها للمرة الأولى، وأنا لا أستطيع الخروج من وقع المفاجأة التى جهزتها منال من أجلى، ومازالت التساؤلات تملأني وتعصف بأفكاري

فهل من الممكن أن تتغير زوجتي لمجرد أنني تركت لها المنزل بهذه السرعة وأن تسعى لإرضائي وأن تعد الحفل لعيد زواجنا الذى لم نحتفل به من قبل، أم أنها في حالة نادرة للتغير ... بخلاف الشعور بالذنب الذى يساورنى بعد التفكير في إسراء، وهل يصبح إرضاء زوجتي هو الخيانة ... زفرت مجددا في ضيق وأنا أضع القدح من يدي، واستغرقت في تفكير عميق حتى ارتفع أزيز الهاتف من على الطاولة، فالتقطته في سرعة لأجد رقم إسراء.

فنظرت حولي لأرى مكان زوجتى ووجدتها أمام جهاز التلفاز تتابع مسلسل المساء، فالتقطت الهاتف ونهضت من الكرسي لأقف في مكان يتيح لى أن أرى حركة زوجتي دون أن تلاحظني، وجاء صوت إسراء مفعما بالقلق عبر الهاتف قائلة

- مدحت ، هل أنت بخير ؟
أجبتها في سرعة
- أجل أنا بخير
تنهدت إسراء في ارتياح وهي تسألنى
- ولم تأخرت حتى الآن، ألن تأتى ؟

ترددت قليلا ثم أجبتها
- إسراء، يبدو أنني لن أستطيع أن أحضر اليوم
أجابني الصمت لعدة ثوان حتى سألتنى

- هل سببت لك المزيد من المشاكل يا مدحت؟

أجبتها في سرعة

- كلا، مطلقا يا حبيبتي، إنني فقط متعب اليوم، كما أنني في حاجة لأن أكون في مكتبي غدا صباحا في موعد مبكر لإنهاء بعض الأمور

ثم صمت قليلا لأتابع

- ولكنى سأمر عليك بالتأكيد في الغد
جاءني صوتها في فرحة
- حسنا يا حبيبي، سأنتظرك

وأغلقت الخط ... ووضعت الهاتف في جيبي لأغادر الشرفة وأتخذ مقعدا على الأريكة بجوار زوجتي ... التى نظرت إلي في عتاب واضح، فابتسمت لها وأنا أمد إليها ذراعى... فتأملتني لثانيتين، ثم اقتربت مني ووضعت رأسها على صدرى لتهمس

- لقد اشتقت اليك

هناك تعليق واحد: